فصل: 821 - مَسْأَلَةٌ: أَشْهُرُ الْحَجِّ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


816 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

قال أبو محمد‏:‏ فَإِنْ حَجَّ عَمَّنْ لَمْ يُطِقْ الرُّكُوبَ وَالْمَشْيَ لِمَرَضٍ أَوْ زَمَانَةٍ حَجَّةَ الإِسْلاَمِ ثُمَّ أَفَاقَ‏;‏ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ‏,‏ وَالشَّافِعِيَّ قَالاَ‏:‏ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ، وَلاَ بُدَّ‏,‏ وَقَالَ أَصْحَابُنَا‏:‏ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ بَعْدُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ إذَا أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ عَمَّنْ لاَ يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ رَاكِبًا، وَلاَ مَاشِيًا‏,‏ وَأَخْبَرَ‏:‏ أَنَّهُ دَيْنُ اللَّهِ يُقْضَى عَنْهُ‏;‏ فَقَدْ تَأَدَّى الدَّيْنُ بِلاَ شَكٍّ وَأَجْزَأَ عَنْهُ‏,‏ وَبِلاَ شَكٍّ أَنَّ مَا سَقَطَ وَتَأَدَّى‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ فَرْضُهُ بِذَلِكَ‏;‏ إلاَّ بِنَصٍّ، وَلاَ نَصَّ هَاهُنَا أَصْلاً بِعَوْدَتِهِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَائِدًا لَبَيَّنَ عليه السلام ذَلِكَ‏;‏ إذْ قَدْ يَقْوَى الشَّيْخُ فَيُطِيقُ الرُّكُوبَ‏;‏ فَإِذْ لَمْ يُخْبِرْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ فَلاَ يَجُوزُ عَوْدَةُ الْفَرْضِ عَلَيْهِ بَعْدَ صِحَّةِ تَأَدِّيهِ عَنْهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

817 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

‏(‏قال علي‏)‏ وَسَوَاءٌ مَنْ بَلَغَ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ‏,‏ أَوْ مَنْ بَلَغَ مُطِيقًا ثُمَّ عَجَزَ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا‏,‏ وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ‏:‏ لاَ يَلْزَمُ ذَلِكَ إلاَّ عَمَّنْ قَدَرَ بِنَفْسِهِ عَلَى الْحَجِّ وَلَوْ عَامًا وَاحِدًا ثُمَّ عَجَزَ‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا خَطَأٌ‏;‏ لأَِنَّ الْخَبَرَ الَّذِي قَدَّمْنَا فِيهِ فَرِيضَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الثَّبَاتِ عَلَى الدَّابَّةِ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ فَرْضُ الْحَجِّ وَلَمْ يَكُنْ قَطُّ بَعْدَ لُزُومِهِ لَهُ قَادِرًا عَلَيْهِ بِجِسْمِهِ‏;‏ فَصَحَّ قَوْلُنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

818 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَمَنْ مَاتَ وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ بِأَحَدِ الْوُجُوهِ الَّتِي قَدَّمْنَا حُجَّ عَنْهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَاعْتُمِرَ، وَلاَ بُدَّ مُقَدَّمًا عَلَى دُيُونِ النَّاسِ إنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ تَطَوُّعًا سَوَاءً أَوْصَى بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ وقال أبو حنيفة‏,‏ وَمَالِكٌ‏:‏ لاَ يُحَجُّ عَنْهُ إلاَّ أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ فَيَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ‏.‏

بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَوَارِيثِ‏:‏ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ فَعَمَّ عَزَّ وَجَلَّ الدُّيُونَ كُلَّهَا‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَّا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْمَصْرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ، حدثنا أَبُو التَّيَّاحِ يَزِيدُ بْنُ حَمِيدٍ الْبَصْرِيُّ، حدثنا مُوسَى بْنُ سَلَمَةَ الْهُذَلِيُّ‏:‏ ‏"‏ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ أَمَرْتُ امْرَأَةَ سِنَانِ بْنِ سَلَمَةَ الْجُهَنِيِّ أَنْ تَسْأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أُمَّهَا مَاتَتْ وَلَمْ تَحُجَّ أَفَيُجْزِئُ عَنْ أُمِّهَا أَنْ تَحُجَّ عَنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ نَعَمْ‏,‏ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّهَا دَيْنٌ فَقَضَتْهُ عَنْهَا أَلَمْ يَكُنْ يُجْزِئُ عَنْهَا فَلْتَحُجَّ عَنْ أُمِّهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَبِيهَا مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ قَالَ‏:‏ حُجِّي عَنْ أَبِيكِ‏.‏

وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُسْنَدًا‏.‏

حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ بْنِ نُبَاتٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَنَّ امْرَأَةً نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ فَأَتَى أَخُوهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏,‏ قَالَ‏:‏ فَاقْضُوا اللَّهَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ‏.‏

وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَصِّهِ فِي امْرَأَةٍ مِنْ جُهَيْنَةَ نَذَرَتْ أُمُّهَا أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ ‏"‏‏.‏

وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ‏;‏ وَفِيهِ قَوْلُهُ عليه السلام‏:‏ فَحُجِّي عَنْ أُمِّكِ‏,‏ اقْضُوا اللَّهَ الَّذِي لَهُ عَلَيْكُمْ‏,‏ فَاَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ‏.‏

فَهَذِهِ آثَارٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ لاَ يَسَعُ أَحَدٌ الْخُرُوجَ عَنْهَا‏:‏‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا احْتِجَاجُهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ فِي تَحْرِيمِ التِّينِ بِالتِّينِ مُتَفَاضِلاً ثُمَّ يُخَالِفُونَهُ فِيمَا جَاءَ فِيهِ أَقْبَحُ خِلاَفٍ فَيَقُولُونَ‏:‏ لاَ يُحَجُّ عَنْ مَيِّتٍ‏,‏ وَدَيْنُ اللَّهِ لاَ يُقْضَى‏,‏ وَدُيُونُ النَّاسِ أَحَقُّ مِنْهُ‏,‏ فَأَيُّ قَوْلٍ أَقْبَحُ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ‏:‏ مَنْ أَهْرَقَ خَمْرَ الْيَهُودِيِّ‏,‏ أَوْ النَّصْرَانِيِّ وَمَاتَ قُضِيَ دَيْنُ الْخَمْرِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ أَوْصَى بِهِ أَوْ لَمْ يُوصِ‏,‏ وَلاَ يُقْضَى دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَجِّ إلاَّ أَنْ يُوصَى بِهِ فَيَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ‏:‏‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ قَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ‏:‏ رُوِّينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ أَوْ حَجٌّ فَلْيَقْضِ عَنْهُ وَلِيُّهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْهُ فَقَالَتْ‏:‏ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا حَجَّةٌ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ هَلْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ قَالَتْ‏:‏ نَعَمْ‏;‏ قَالَ‏:‏ فَمَا صَنَعْتِ قَالَتْ قَضَيْته عَنْهَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ فَاَللَّهُ خَيْرُ غُرَمَائِك‏,‏ حُجِّي عَنْ أُمِّك ‏"‏‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ مُسْلِمٍ الْقَرِّيِّ قُلْت لاِبْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ إنَّ أُمِّي حَجَّتْ وَمَاتَتْ وَلَمْ تَعْتَمِرْ أَفَأَعْتَمِرُ عَنْهَا قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏;‏ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ كُنْت جَالِسًا عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ‏:‏ إنَّ أَبِي لَمْ يَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ‏:‏ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ كَانَ رَخَّصَ لِرَجُلٍ حَجَّ عَنْ أَبِيهِ وَهَلْ هُوَ إلاَّ دَيْنٌ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ هُوَ الْفَزَارِيّ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرُّؤَاسِيِّ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ أَخِي فَقُلْتُ‏:‏ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ فَقَالَ‏:‏ هَلْ تَرَكَ مِنْ وَلَدٍ قُلْت‏:‏ تَرَكَ صَبِيًّا صَغِيرًا‏,‏ فَقَالَ‏:‏ حُجَّ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَوْ وَجَدَ رَسُولاً لاََرْسَلَ إلَيْك أَنْ عَجِّلْ بِهَا فَقُلْت‏:‏ أَحُجُّ عَنْهُ مِنْ مَالِي أَوْ مِنْ مَالِهِ‏:‏ قَالَ‏:‏ بَلْ مِنْ مَالِهِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَسَأَلْتُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ فَقَالَ‏:‏ حُجَّ عَنْهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَسَأَلْتُ الضَّحَّاكَ فَقَالَ‏:‏ حُجَّ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُ‏,‏ وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ فُضَيْلٍ بْنِ عَمْرٍو وَقَالَ‏:‏ نَذَرَتْ امْرَأَةٌ أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ مُقْتَرِنَةً مَعَ ابْنَتِهَا فَمَاتَتْ الآُمُّ قَبْلَ أَنْ تَطُوفَ فَسَأَلَ ابْنُهَا إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ‏:‏ طُفْ أَنْتَ وَأُخْتُك عَنْ أُمِّك، وَلاَ تَقْتَرِنَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَسْلَمَ الْمُنْقِرِيِّ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ‏:‏ يُحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِي عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي نَهِيكٍ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ طَاوُسًا عَنْ امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهَا مِنْ نُسُكِهَا فَقَالَ‏:‏ يَقْضِي عَنْهَا وَلِيُّهَا أَبُو نَهِيكٍ هُوَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَسَدِيُّ رُوِيَ عَنْهُ سُفْيَانُ‏,‏ وَمَنْصُورٌ‏,‏ وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ زِيَادٍ الأَعْلَمِ عَنْ الْحَسَنِ‏:‏ قَالَ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ فِيمَنْ لَمْ يَحُجَّ الْفَرِيضَةَ‏:‏ أَنَّهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ‏,‏ وَالزَّكَاةُ مِثْلُ ذَلِكَ‏,‏ أَوْصَى أَوْ لَمْ يُوصِ‏.‏

وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ‏,‏ وَالثَّوْرِيِّ‏,‏ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏,‏ وَأَبِي ثَوْرٍ‏,‏ وَأَحْمَدَ‏,‏ وَإِسْحَاقَ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏,‏ وَأَصْحَابِهِمْ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ‏,‏ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ‏,‏ وَخِلاَفَهُمْ لَهُمَا‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ‏:‏ سُئِلَ أَيُّوبُ عَنْ الْوَصَايَا فِي الْحَجِّ فَقَالَ‏:‏ لاَ أَعْرِفُ الْوَصَايَا فِي الْحَجِّ إنَّمَا الْوَصِيَّةُ فِي الأَقْرَبِينَ‏.‏

قلنا‏:‏ إذَا فَرَّطَ فِي الْحَجِّ أَيُوصِي بِهِ قَالَ‏:‏ لاَ‏.‏

وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ‏:‏ لاَ يُقْضَى حَجٌّ عَنْ مَيِّتٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ‏:‏ فِيمَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ‏,‏ قَالَ‏:‏ كَانُوا يُحِبُّونَ أَنْ يُوصِي أَنْ يُنْحَرَ عَنْهُ بَدَنَةً‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْهُ‏:‏ لاَ يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ‏:‏ إنْ أَوْصَى بِالْحَجِّ‏,‏ حُجَّ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِهِ‏,‏ وَإِلاَّ فَلاَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ‏:‏ إذَا أَوْصَى بِالْحَجِّ فَمِنْ الثُّلُثِ‏;‏ وَبِهَذَا يَقُولُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ‏,‏ وَحُمَيْدُ الطَّوِيلُ‏,‏ وَدَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ‏,‏ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ مَا نَعْلَمُ لِمَنْ قَالَ بِهَذَا حُجَّةً إلاَّ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَبَيَّنَّا أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَأَنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَإِذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ‏,‏ وَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُقْضَى دَيْنُ آدَمِيٍّ حَتَّى تَتِمَّ دُيُونُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏,‏ وَهُوَ قَوْلُ مَنْ ذَكَرْنَا‏,‏ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ‏,‏ وَقَوْلُ جَمِيعِ أَصْحَابِنَا‏,‏ وَلِلْمَالِكِيَّيْنِ‏,‏ وَالْحَنِيفِيِّينَ فِيمَا يَبْدَأُ بِهِ فِي الْوَصَايَا أَقْوَالٌ لاَ يُعْرَفُ لَهَا وَجْهٌ أَصْلاً‏.‏

819 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَالْحَجُّ لاَ يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ عَمَلِهِ إلاَّ فِي أَوْقَاتِهِ الْمَنْصُوصَةِ، وَلاَ يَحِلُّ الإِحْرَامُ بِهِ إلاَّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَبْلَ وَقْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ‏.‏

وأما الْعُمْرَةُ فَهِيَ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ السَّنَةِ‏,‏ وَفِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ السَّنَةِ‏,‏ وَفِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِيِهَا لاَ تُحَاشِ شَيْئًا‏:‏ بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ‏}‏ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ، وَلاَ فُسُوقَ، وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ‏.‏

الآيَةَ‏,‏ فَنَصَّ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ‏}‏‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ‏,‏ وَابْنِ جُرَيْجٍ كِلَيْهِمَا عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ‏:‏ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ أَيُهِلُّ أَحَدٌ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ قَالَ‏:‏ لاَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ لاَ يَنْبَغِي لأَِحَدٍ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ إلاَّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ‏}‏‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ قَالَ‏:‏ رَأَى عَمْرُو بْنُ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَقَالَ‏:‏ لَوْ أَنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ أَدْرَكُوهُ رَجَمُوهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ أَنَّ عِكْرِمَةَ قَالَ لاَِبِي الْحَكَمِ‏:‏ أَنْتَ رَجُلُ سُوءٍ‏;‏ لاَِنَّك خَالَفْتَ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَرَكْتَ سُنَّةَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ‏}‏‏.‏

وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إذَا كَانَ بِالْبَيْدَاءِ‏,‏ وَجَعَلَ الْقَرْيَةَ خَلْفَ ظَهْرِهِ أَهَلَّ وَإِنَّك تُهِلُّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَعَنْ عَطَاءٍ‏,‏ وَطَاوُسٍ‏,‏ وَمُجَاهِدٍ قَالُوا‏:‏ لاَ يَنْبَغِي لأَِحَدٍ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ‏.‏

وَعَنْ عَطَاءٍ‏,‏ وَالشَّعْبِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ قَالاَ‏:‏ فَإِنَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ يُحِلُّ‏.‏

وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ يُحِلُّ وَيَجْعَلُهَا عُمْرَةً وَأَنَّهُ لَيْسَ حَجًّا‏,‏ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ‏}‏‏.‏

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ الْمُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لاَ يَنْبَغِي لأَِحَدٍ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إلاَّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ‏;‏ فَإِنْ فَعَلَ فَلاَ يَحِلُّ حَتَّى يَقْضِيَ حِجَّهُ‏.‏

وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏:‏ تَصِيرُ عُمْرَةً، وَلاَ بُدَّ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏,‏ وَمَالِكٌ‏:‏ يُكْرَهُ ذَلِكَ وَيَلْزَمُهُ إنْ أَحْرَمَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ‏.‏

قال أبو محمد مَا نَعْلَمُ فِي هَذَا الْقَوْلِ سَلَفًا مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَهُوَ خِلاَفُ الْقُرْآنِ وَخِلاَفُ الْقِيَاسِ‏,‏ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ كَمَنْ أَحْرَمَ بِصَلاَةِ فَرْضٍ قَبْلَ وَقْتِهَا أَنَّهَا تَكُونُ تَطَوُّعًا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا تَشْبِيهُ الْخَطَأِ بِالْخَطَأِ بَلْ هُوَ لاَ شَيْءَ‏;‏ لأَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالصَّلاَةِ كَمَا أُمِرَ‏,‏ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏}‏‏.‏

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ‏.‏

فَصَحَّ أَنْ عَمَلَ الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ عَمَلٌ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ وَلاَ أَمْرُ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَصَحَّ أَنَّهُ رَدٌّ‏,‏ وَلاَ يَصِيرُ عُمْرَةً، وَلاَ هُوَ حَجٌّ‏.‏

وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِ مَنْ يَحْتَجُّ مِنْ الْحَنِيفِيِّينَ بِأَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إحْرَامٌ مَا‏,‏ فَإِذْ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُمْرَةً فَهُوَ الْحَجُّ‏,‏ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يُنَاظِرُ مَنْ يُسَاعِدُهُ عَلَى هَذَا الْخَطَأِ فَهُوَ لَعَمْرِي لاَزِمٌ لَهُ‏,‏ وَإِنْ كَانَ قَصَدَ الإِيهَامَ بِأَنَّهُ إجْمَاعٌ تَامٌّ فَقَدْ اسْتَسْهَلَ الْكَذِبَ عَلَى الآُمَّةِ كُلِّهَا نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا عَنْ الشَّعْبِيِّ‏,‏ وَعَطَاءٍ‏:‏ أَنَّهُ يَحِلُّ‏,‏ وَعَنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ جُمْلَةً‏.‏

وَنَقُولُ لِلْحَنَفِيِّينَ‏,‏ وَالْمَالِكِيِّينَ‏:‏ أَنْتُمْ تَكْرَهُونَ الإِحْرَامَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَتُجِيزُونَهُ فَأَخْبِرُونَا عَنْكُمْ أَهُوَ عَمَلُ بِرٍّ وَفِيهِ أَجْرٌ زَائِدٌ فَلِمَ تَكْرَهُونَ الْبِرَّ وَعَمَلاً فِيهِ أَجْرٌ هَذَا عَظِيمٌ جِدًّا وَمَا فِي الدِّينِ كَرَاهِيَةُ الْبِرِّ وَعَمَلُ الْخَيْرِ‏,‏ أَمْ هُوَ عَمَلٌ لَيْسَ فِيهِ أَجْرٌ زَائِدٌ، وَلاَ هُوَ مِنْ الْبِرِّ فَكَيْف أَجَزْتُمُوهُ فِي الدِّينِ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ إذْ هُوَ عَمَلٌ زَائِدٌ لاَ أَجْرَ فِيهِ فَهُوَ بَاطِلٌ بِلاَ شَكٍّ‏;‏ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ‏}‏ وَيُقَالُ لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ كَيْف تُبْطِلُ عَمَلَهُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ‏;‏ لأَِنَّهُ خَالَفَ الْحَقَّ‏,‏ ثُمَّ تُلْزِمُهُ بِذَلِكَ الْعَمَلِ عُمْرَةً لَمْ يُرِدْهَا قَطُّ، وَلاَ قَصَدَهَا، وَلاَ نَوَاهَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى وَهَذَا بَيِّنٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ‏;‏ فَبَطَلَ كِلاَ الْقَوْلَيْنِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبُّ الْعَالَمِينَ‏.‏

، وَلاَ يَخْتَلِفُ الْمَذْكُورُونَ فِي أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِصَلاَةٍ قَبْلَ وَقْتِهَا فَإِنَّهَا تَبْطُلُ وَمَنْ نَوَى صِيَامًا قَبْلَ وَقْتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ‏,‏ وَمَنْ قَدَّمَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ وَقْتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ‏;‏ فَهَلاَّ قَاسُوا الْحَجَّ عَلَى ذَلِكَ وَهَلاَّ قَاسُوا بَعْضَ عَمَلِ الْحَجِّ عَلَى بَعْضٍ فَهَذَا أَصَحُّ قِيَاسٍ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الْقُرْآنَ‏,‏ وَعَمَلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ‏,‏ وَالْقِيَاسُ‏.‏

وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَنِيفِيِّينَ قَالُوا فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ فِي الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ‏:‏ حَاشَا لِلَّهِ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِكَلاَمٍ لاَ فَائِدَةَ فِيهِ فَهَلاَّ قَالُوا‏:‏ هَاهُنَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ‏}‏ حَاشَا لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَقُولَ فِي الْقُرْآنِ قَوْلاً لاَ فَائِدَةَ فِيهِ هَذَا وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الْغَنَمِ جُمْلَةً دُونَ ذِكْرِ سَائِمَةٍ‏,‏ وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ فِي قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ جَوَازُ فَرْضِ الْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ الْمَعْلُومَاتِ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ أَنْتُمْ لاَ تَقُولُونَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ فَلِمَ جَعَلْتُمْ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ‏}‏ حُجَّةً فِي أَنْ لاَ يَتَعَدَّى بِأَعْمَالِ الْحَجِّ إلَى غَيْرِهَا قلنا‏:‏ إنَّمَا نَمْنَعُ مِنْ دَعْوَاكُمْ فِي دَلِيلِ الْخِطَابِ إذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تُبْطِلُوا بِهِ سُنَّةً أُخْرَى عَامَّةً‏,‏ وأما إذَا وَرَدَ نَصٌّ بِحُكْمٍ وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ آخَرُ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ فَلاَ يَحِلُّ لأَِحَدٍ أَنْ يَتَعَدَّى بِذَلِكَ الْحُكْمِ النَّصَّ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ‏.‏

وأما الْعُمْرَةُ فَإِنَّ الْخِلاَفَ قَدْ جَاءَ فِي ذَلِكَ‏:‏ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ سُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَقَالَ‏:‏ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ لَيْسَ فِيهِنَّ عُمْرَةٌ وَعَنْ وَكِيعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ قَالَ عُمَرُ‏:‏ اجْعَلُوا الْعُمْرَةَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَتَمَّ لِحَجِّكُمْ وَلِعُمْرَتِكُمْ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ الْجُعَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ‏:‏ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فِي الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ‏:‏ حَلَّتْ الْعُمْرَةُ الدَّهْرَ إلاَّ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ‏:‏ يَوْمَ النَّحْرِ‏;‏ وَيَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ مُعَاذَةَ عَنْهَا‏.‏

وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْهَا‏:‏ تَمَّتْ الْعُمْرَةُ السَّنَةَ كُلَّهَا إلاَّ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ‏:‏ يَوْمَ عَرَفَةَ‏,‏ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَيَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ‏.‏

وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْهَا إلاَّ خَمْسَةَ أَيَّامٍ‏:‏ يَوْمُ عَرَفَةَ‏,‏ وَيَوْمُ النَّحْرِ‏,‏ وَثَلاَثَةُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ الْعُمْرَةُ كُلُّهَا جَائِزَةٌ إلاَّ خَمْسَةَ أَيَّامٍ‏,‏ يَوْمُ عَرَفَةَ‏,‏ وَيَوْمُ النَّحْرِ‏,‏ وَثَلاَثَةُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ‏.‏

وقال مالك‏:‏ الْعُمْرَةُ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ السَّنَةِ إلاَّ لِلْحَاجِّ خَاصَّةً فِي أَيَّامِ النَّحْرِ خَاصَّةً‏.‏

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ كَمَا قلنا‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ اسْتَأْذَنَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي أَنْ يَعْتَمِرَ فِي شَوَّالٍ فَأَذِنَ لَهُ فَاعْتَمَرَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ‏:‏ اسْتَأْذَنَتْ أُخْتِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بَعْدَ مَا قَضَتْ حَجَّهَا أَتَعْتَمِرُ فِي ذِي الْحِجَّةِ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏

وَعَنْ طَاوُسٍ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَهُ فَقَالَ‏:‏ تَعَجَّلْتُ فِي يَوْمَيْنِ أَفَأَعْتَمِرُ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ لَيْسَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ أَوْلَى مِنْ بَعْضِ‏,‏ وَلاَ بَعْضُ الرِّوَايَاتِ عَنْ عَائِشَةَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا‏,‏ وَقَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حدثنا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، حدثنا سُمَيٌّ هُوَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلاَّ الْجَنَّةُ وَالْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ تَكْفِيرٌ لِمَا بَيْنَهُمَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَحَضَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَحُدَّ لَهَا وَقْتًا مِنْ وَقْتٍ فَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ‏;‏ وأما اخْتِيَارُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفَاسِدٌ جِدًّا‏;‏ لأَِنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُ عَلَى صِحَّتِهِ دُونَ سَائِرِ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

820 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَالْحَجُّ لاَ يَجُوزُ إلاَّ مَرَّةً فِي السَّنَةِ‏;‏ وأما الْعُمْرَةُ فَنُحِبُّ الإِكْثَارَ مِنْهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ فَضْلِهَا‏;‏ فأما الْحَجُّ فَلاَ خِلاَفَ فِيهِ‏.‏

وأما الْعُمْرَةُ فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ‏:‏ فِي كُلِّ شَهْرٍ عُمْرَةٌ‏.‏

وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ عُمْرَتَيْنِ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ‏.‏

وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا اعْتَمَرَتْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي عَامٍ وَاحِدٍ‏.‏

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏,‏ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ‏,‏ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ‏:‏ كَرَاهَةُ الْعُمْرَةِ أَكْثَرُ مِنْ مَرَّةٍ فِي السَّنَةِ‏;‏ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ طَاوُسٍ‏:‏ إذَا مَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَاعْتَمِرْ مَتَى شِئْت‏.‏

وَعَنْ عِكْرِمَةَ‏:‏ اعْتَمِرْ مَتَى أَمْكَنَك الْمُوسَى‏.‏

وَعَنْ عَطَاءٍ إجَازَةُ الْعُمْرَةِ مَرَّتَيْنِ فِي الشَّهْرِ‏.‏

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ أَنَّهُ اعْتَمَرَ مَرَّتَيْنِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ مَرَّةً فِي رَجَبٍ‏,‏ وَمَرَّةً فِي شَوَّالٍ‏.‏

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ‏:‏ أَنَّهُ أَقَامَ مُدَّةً بِمَكَّةَ فَكُلَّمَا جَمَّ رَأْسُهُ خَرَجَ فَاعْتَمَرَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ‏,‏ وَأَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏,‏ وَبِهِ نَأْخُذُ لأَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَعْمَرَ عَائِشَةَ مَرَّتَيْنِ فِي الشَّهْرِ الْوَاحِدِ وَلَمْ يَكْرَهْ عليه السلام ذَلِكَ بَلْ حَضَّ عَلَيْهَا وَأَخْبَرَ أَنَّهَا تُكَفِّرُ مَا بَيْنَهَا‏,‏ وَبَيْنَ الْعُمْرَةِ الثَّانِيَةِ‏,‏ فَالإِكْثَارُ مِنْهَا أَفْضَلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَاحْتَجَّ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ‏:‏ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَعْتَمِرْ فِي عَامٍ إلاَّ مَرَّةً وَاحِدَةً قلنا‏:‏ لاَ حُجَّةَ فِي هَذَا‏;‏ لأَِنَّهُ إنَّمَا يُكْرَهُ مَا حَضَّ عَلَى تَرْكِهِ وَهُوَ عليه السلام لَمْ يَحُجَّ مُذْ هَاجَرَ إلاَّ حَجَّةً وَاحِدَةً، وَلاَ اعْتَمَرَ مُذْ هَاجَرَ إلاَّ ثَلاَثَ عُمَرَ فَيَلْزَمُكُمْ أَنْ تَكْرَهُوا الْحَجَّ إلاَّ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ‏,‏ وَأَنْ تَكْرَهُوا الْعُمْرَةَ إلاَّ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي الدَّهْرِ‏,‏ وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِكُمْ‏;‏ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ عليه السلام يَتْرُكُ الْعَمَلَ هُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ مَخَافَةَ أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِهِ أَوْ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ‏.‏

وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَصُومَ الْمَرْءُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الدَّهْرِ‏,‏ وَأَنْ يَقُومَ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ‏;‏ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَصُمْ قَطُّ شَهْرًا كَامِلاً‏,‏ وَلاَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الدَّهْرِ‏,‏ وَلاَ قَامَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً‏,‏ وَلاَ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ‏,‏ فَلَمْ يَرَوْا فِعْلَهُ عليه السلام هَاهُنَا حُجَّةً فِي كَرَاهَةِ مَا زَادَ عَلَى صِحَّةِ نَهْيِهِ عَنْ الزِّيَادَةِ فِي الصَّوْمِ وَمِقْدَارِ مَا يُقَامُ مِنْ اللَّيْلِ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

وَجَعَلُوا فِعْلَهُ عليه السلام فِي أَنَّهُ لَمْ يَعْتَمِرْ فِي الْعَامِ إلاَّ مَرَّةَ مَعَ حَضِّهِ عَلَى الْعُمْرَةِ وَالإِكْثَارِ مِنْهَا حُجَّةً فِي كَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى عُمْرَةٍ مِنْ الْعَامِ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا‏.‏

821 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَأَشْهُرُ الْحَجِّ‏:‏ شَوَّالٌ‏,‏ وَذُو الْقِعْدَةِ‏,‏ وَذُو الْحِجَّةِ‏,‏ وَقَالَ قَوْمٌ‏:‏ شَوَّالٌ‏,‏ وَذُو الْقِعْدَةِ‏,‏ وَعَشَرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ‏.‏

رُوِّينَا قَوْلَنَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ‏,‏ وَعَطَاءٍ‏.‏

وَرُوِّينَا الْقَوْلَ الآخَرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا‏,‏ وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ‏,‏ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ‏,‏ وَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ‏:‏ شَوَّالٌ‏,‏ وَذُو الْقَعْدَةِ‏,‏ وَصَدْرُ ذِي الْحِجَّةِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ‏}‏، وَلاَ يُطْلَقُ عَلَى شَهْرَيْنِ‏,‏ وَبَعْضٍ آخَرَ‏:‏ أَشْهُرٌ‏,‏ وَأَيْضًا فَإِنَّ رَمْيَ الْجِمَارِ وَهُوَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ يُعْمَلُ الْيَوْمَ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ‏,‏ وَطَوَافُ الإِفَاضَةِ وَهُوَ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ يُعْمَلُ فِي ذِي الْحِجَّةِ كُلِّهِ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْهُمْ‏;‏ فَصَحَّ أَنَّهَا ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

821- مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَلِلْحَجِّ‏,‏ وَالْعُمْرَةِ مَوَاضِعُ تُسَمَّى‏:‏ الْمَوَاقِيتَ‏,‏ وَاحِدُهَا‏:‏ مِيقَاتٌ لاَ يَحِلُّ لأَِحَدٍ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ‏,‏ وَلاَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَهَا‏.‏

وَهِيَ لِمَنْ جَاءَ مِنْ جَمِيعِ الْبِلاَدِ عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ‏,‏ أَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ‏:‏ ذُو الْحُلَيْفَةِ وَهُوَ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ وَهُوَ مِنْ مَكَّةَ عَلَى مِائَتَيْ مِيلٍ غَيْرَ مِيلَيْنِ‏.‏

وَلِمَنْ جَاءَ مِنْ جَمِيعِ الْبِلاَدِ‏,‏ أَوْ مِنْ الشَّامِ‏,‏ أَوْ مِنْ مِصْرَ عَلَى طَرِيقِ مِصْرَ‏,‏ أَوْ عَلَى طَرِيقِ الشَّامِ‏:‏ الْجُحْفَةُ وَهِيَ فِيمَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالشِّمَالِ مِنْ مَكَّةَ وَمِنْهَا إلَى مَكَّةَ اثْنَانِ وَثَمَانُونَ مِيلاً‏.‏

وَلِمَنْ جَاءَ مِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ مِنْهَا‏,‏ وَمِنْ جَمِيعِ الْبِلاَدِ‏:‏ ذَاتُ عِرْقٍ وَهُوَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالشِّمَالِ مِنْ مَكَّةَ‏,‏ وَمِنْهَا إلَى مَكَّةَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ مِيلاً‏.‏

وَلِمَنْ جَاءَ عَلَى طَرِيقِ نَجْدٍ مِنْ جَمِيعِ الْبِلاَدِ كُلِّهَا‏:‏ قَرْنٌ وَهُوَ شَرْقِيٌّ مِنْ مَكَّةَ وَمِنْهُ إلَى مَكَّةَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ مِيلاً‏.‏

وَلِمَنْ جَاءَ عَلَى طَرِيقِ الْيَمَنِ مِنْهَا‏,‏ أَوْ مِنْ جَمِيعِ الْبِلاَدِ‏:‏ يَلَمْلَمُ وَهُوَ جَنُوبٌ مِنْ مَكَّةَ وَمِنْهُ إلَى مَكَّةَ ثَلاَثُونَ مِيلاً‏.‏

فَكُلُّ مَنْ خَطَرَ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَهُوَ يُرِيدُ الْحَجَّ‏,‏ أَوْ الْعُمْرَةَ‏,‏ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَهُ إلاَّ مُحْرِمًا فَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ‏:‏ فَلاَ إحْرَامَ لَهُ‏,‏ وَلاَ حَجَّ لَهُ‏,‏ وَلاَ عُمْرَةَ لَهُ إلاَّ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمِيقَاتِ الَّذِي مَرَّ عَلَيْهِ فَيَنْوِيَ الإِحْرَامَ مِنْهُ‏,‏ فَيَصِحَّ حِينَئِذٍ إحْرَامُهُ‏,‏ وَحَجُّهُ‏,‏ وَعُمْرَتُهُ‏.‏

فَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ وَهُوَ يَمُرُّ عَلَيْهَا‏:‏ فَلاَ إحْرَامَ لَهُ‏,‏ وَلاَ حَجَّ لَهُ‏,‏ وَلاَ عُمْرَةَ لَهُ إلاَّ أَنْ يَنْوِيَ إذَا صَارَ فِي الْمِيقَاتِ تَجْدِيدَ إحْرَامٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ‏,‏ وَإِحْرَامُهُ حِينَئِذٍ تَامٌّ‏,‏ وَحَجُّهُ تَامٌّ‏,‏ وَعُمْرَتُهُ تَامَّةٌ‏.‏

وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ‏,‏ أَوْ مِصْرَ فَمَا خَلْفَهُمَا فَأَخَذَ عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ يُرِيدُ حَجًّا‏,‏ أَوْ عُمْرَةً فَلاَ يَحِلُّ لَهُ تَأْخِيرُ الإِحْرَامِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ لِيُحْرِمَ مِنْ الْجُحْفَةِ‏,‏ فَإِنْ فَعَلَ فَلاَ حَجَّ لَهُ‏,‏ وَلاَ إحْرَامَ لَهُ‏,‏ وَلاَ عُمْرَةَ لَهُ إلاَّ أَنْ يَرْجِعَ إلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ‏,‏ فَيُجَدِّدَ مِنْهَا إحْرَامًا‏:‏ فَيَصِحَّ حِينَئِذٍ إحْرَامُهُ‏,‏ وَحَجُّهُ‏,‏ وَعُمْرَتُهُ‏.‏

فَمَنْ مَرَّ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ وَهُوَ لاَ يُرِيدُ حَجًّا‏,‏ وَلاَ عُمْرَةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ‏,‏ فَإِنْ تَجَاوَزَهُ بِقَلِيلٍ‏;‏ أَوْ بِكَثِيرٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ فِي الْحَجِّ‏;‏ أَوْ فِي الْعُمْرَةِ فَلْيُحْرِمْ مِنْ حَيْثُ بَدَا لَهُ فِي الْحَجِّ‏,‏ أَوْ الْعُمْرَةِ‏,‏ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمِيقَاتِ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ‏,‏ وَمِيقَاتُهُ حِينَئِذٍ الْمَوْضِعُ الَّذِي بَدَا لَهُ فِي الْحَجِّ‏,‏ أَوْ الْعُمْرَةِ‏:‏ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَهُ إلاَّ مُحْرِمًا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ‏:‏ فَلاَ إحْرَامَ لَهُ‏,‏ وَلاَ حَجَّ لَهُ‏,‏ وَلاَ عُمْرَةَ لَهُ إلاَّ أَنْ يَرْجِعَ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَيُجَدِّدَ مِنْهُ إحْرَامًا‏.‏

فَمَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَمَكَّةَ فَمِيقَاتُهُ مِنْ مَنْزِلِهِ كَمَا ذَكَرْنَا سَوَاءً سَوَاءً‏,‏ أَوْ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي بَدَا لَهُ أَنْ يَحُجَّ مِنْهُ أَوْ يَعْتَمِرَ كَمَا قَدَّمْنَا‏.‏

وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَأَرَادَ الْحَجَّ فَمِيقَاتُهُ مَنَازِلُ مَكَّةَ‏,‏ وَإِنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ فَلْيَخْرُجْ إلَى الْحِلِّ فَلْيُحْرِمْ مِنْهُ وَأَدْنَى ذَلِكَ‏:‏ التَّنْعِيمُ‏.‏

وَمَنْ كَانَ طَرِيقُهُ لاَ تَمُرُّ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ فَلْيُحْرِمْ مِنْ حَيْثُ شَاءَ بَرًّا أَوْ بَحْرًا‏;‏ فَإِنْ أَخْرَجَهُ قَدَرٌ بَعْدَ إحْرَامِهِ إلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يُجَدِّدَ مِنْهَا نِيَّةَ إحْرَامٍ، وَلاَ بُدَّ‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عُمَرُ بْنُ مَنْصُورٍ، حدثنا هِشَامُ بْنُ بَهْرَامُ، حدثنا الْمَعَافِرِيُّ، هُوَ ابْنُ عِمْرَانَ الْمَوْصِلِيُّ، حدثنا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لاَِهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ‏,‏ وَلاَِهْلِ الشَّامِ‏,‏ وَمِصْرَ‏:‏ الْجُحْفَةَ‏;‏ وَلاَِهْلِ الْعِرَاقِ‏:‏ ذَاتَ عِرْقٍ‏,‏ وَلاَِهْلِ الْيَمَنِ‏:‏ يَلَمْلَمُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هِشَامُ بْنُ بَهْرَامُ ثِقَةٌ‏,‏ وَالْمُعَافِيُّ ثِقَةٌ‏,‏ كَانَ سُفْيَانُ يُسَمِّيهِ‏:‏ الْيَاقُوتَةَ الْحَمْرَاءَ‏;‏ وَبَاقِيهِمْ أَشْهَرُ مِنْ ذَلِكَ

حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حدثنا وُهَيْبٍ، هُوَ ابْنُ خَالِدٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لاَِهْلِ الْمَدِينَةِ‏:‏ ذَا الْحُلَيْفَةِ‏;‏ وَلاَِهْلِ الشَّامِ‏:‏ الْجُحْفَةَ‏,‏ وَلاَِهْلِ نَجْدٍ‏:‏ قَرْنَ الْمَنَازِلِ‏,‏ وَلاَِهْلِ الْيَمَنِ‏:‏ يَلَمْلَمُ‏.‏

وَقَالَ‏:‏ هُنَّ لَهُمْ وَلِكُلِّ آتٍ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ‏,‏ وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ‏.‏

حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيّ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا حَمَّادٌ، هُوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَِهْلِ الْمَدِينَةِ‏:‏ ذَا الْحُلَيْفَةِ‏;‏ وَلاَِهْلِ الشَّامِ‏:‏ الْجُحْفَةَ‏;‏ وَلاَِهْلِ نَجْدٍ‏:‏ قَرْنَ الْمَنَازِلِ‏;‏ وَلاَِهْلِ الْيَمَنِ‏:‏ يَلَمْلَمُ‏,‏ فَهُنَّ لاَِهْلِهِنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهِلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ‏,‏ وَكَذَاكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَهَذِهِ الأَخْبَارُ أَتَمُّ مِنْ كُلِّ خَبَرٍ رُوِيَ فِي ذَلِكَ وَأَصَحُّ وَهِيَ مُنْتَظِمَةٌ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَصْلاً فَصْلاً‏:‏‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَفِي بَعْضِ مَا ذَكَرْنَا خِلاَفٌ‏:‏ فَمِنْهُ أَنَّ قَوْمًا ادَّعَوْا أَنَّ مِيقَاتَ أَهْلِ الْعِرَاقِ‏:‏ الْعَقِيقُ وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ لاَ يَصِحُّ لأَِنَّ رَاوِيَهُ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ عَنْ عَبَّاسٍ‏.‏

وَمِنْهُ أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ قَالُوا‏:‏ مَنْ مَرَّ عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ خَاصَّةً فَلَهُمْ أَنْ يَدَعُوا الإِحْرَامَ إلَى الْجُحْفَةِ‏;‏ لأَِنَّهُ مِيقَاتُهُمْ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ‏;‏ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ‏,‏ وَغَيْرُهُمْ‏,‏ وَهُوَ الْحَقُّ‏,‏ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ هُنَّ لاَِهْلِهِنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ‏.‏

فَقَدْ صَارَ ذُو الْحُلَيْفَةِ مِيقَاتًا لِلشَّامِيِّ‏,‏ وَالْمِصْرِيِّ إذَا أَتَى عَلَيْهِ وَكَانَ إنْ تَجَاوَزَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ عَاصِيًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا الْمِيقَاتُ لِمَنْ مَرَّ عَلَيْهِ بِنَصِّ كَلاَمِهِ عليه السلام لاَ لِمَنْ لَمْ يَمُرَّ عَلَيْهِ فَقَطْ‏.‏

وَلَوْ أَنَّ مَدَنِيًّا يَمُرُّ عَلَى الْجُحْفَةِ يُرِيدُ الْحَجَّ وَعُرِضَتْ لَهُ مَعَ ذَلِكَ حَاجَةٌ إلَى الْمَدِينَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الإِحْرَامَ إلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ‏:‏ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ‏,‏ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ قَالاَ جَمِيعًا‏:‏ مَنْ مَرَّ مِنْ أَهْلِ الآفَاقِ بِالْمَدِينَةِ أَهَلَّ مِنْ مُهِلِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ‏;‏ وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ‏:‏ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ أَهْلُ مِصْرَ‏,‏ وَمَنْ مَرَّ مِنْ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ عَلَى الْمَدِينَةِ فِي الْمِيقَاتِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ هَذَا يُوجِبُ عَلَيْهِمْ تَأْخِيرَ الإِحْرَامِ إلَى الْجُحْفَةِ‏;‏ وَمِنْهُ مَنْ كَانَتْ طَرِيقُهُ عَلَى غَيْرِ الْمَوَاقِيتِ فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا‏:‏ إذَا حَاذَى الْمِيقَاتَ لَزِمَهُ أَنْ يُحْرِمَ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ إنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ شَكَوْا إلَى عُمَرَ فِي حَجِّهِمْ أَنَّ ‏"‏ قَرْنَ الْمَنَازِلِ ‏"‏ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِهِمْ‏;‏ فَقَالَ لَهُمْ‏:‏ اُنْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ فَحَدَّ لَهُمْ ‏"‏ ذَاتَ عِرْقٍ ‏"‏‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لأَِنَّ الْخَبَرَ الْمُسْنَدَ فِي تَوْقِيتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ عِرْقٍ لاَِهْلِ الْعِرَاقِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ آنِفًا فَإِنَّمَا حَدَّ لَهُمْ عُمَرُ مَا حَدَّ لَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ لَوْ لَمْ يَصِحَّ فِي ذَلِكَ خَبَرٌ لَمَا كَانَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُجَّةٌ وَيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عليه السلام الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا ‏"‏ وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ ‏"‏‏.‏

وَقَدْ صَحَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ تَوْقِيتَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَلَمْلَمُ‏;‏ فَرِوَايَةُ مَنْ سَمِعَ‏,‏ وَعَلِمَ‏:‏ أَتَمُّ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ سَمِعَ بَعْضًا وَلَمْ يَسْمَعْ بَعْضًا وَبُرْهَانٌ آخَرُ‏:‏ وَهُوَ أَنَّ جَمِيعَ الآُمَّةِ مُجْمِعُونَ إجْمَاعًا مُتَيَقَّنًا عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ طَرِيقُهُ لاَ يَمُرُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ فَإِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ الإِحْرَامُ قَبْلَ مُحَاذَاةِ مَوْضِعِ الْمِيقَاتِ‏.‏

ثُمَّ اخْتَلَفُوا إذَا حَاذَى مَوْضِعَ الْمِيقَاتِ‏,‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ يَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ‏,‏ وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ لاَ يَلْزَمُهُ‏;‏ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ فَرْضٌ بِغَيْرِ نَصٍّ، وَلاَ إجْمَاعٍ‏.‏

وَمِنْهُ مَنْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَهُوَ يُرِيدُ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً فَلَمْ يُحْرِمْ وَأَحْرَمَ بَعْدَهُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَة قَالَ‏:‏ هُوَ مُسِيءٌ وَيَرْجِعُ إلَى مِيقَاتِهِ فَيُلَبِّي مِنْهُ، وَلاَ دَمَ عَلَيْهِ، وَلاَ شَيْءَ‏;‏ فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ وَلَمْ يُلَبِّ مِنْهُ فَعَلَيْهِ دَمُ شَاةٍ‏,‏ وَكَذَلِكَ عَلَيْهِ دَمٌ إنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَى الْمِيقَاتِ‏,‏ وَحَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ تَامَّانِ فِي كُلِّ ذَلِكَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَهُ قَسَّمَ هَذَا التَّقْسِيمَ الطَّرِيفَ مِنْ إسْقَاطِهِ الدَّمَ بِرُجُوعِهِ إلَى الْمِيقَاتِ وَتَلْبِيَتِهِ مِنْهُ وَإِثْبَاتِهِ الدَّمَ إنْ لَمْ يَرْجِعْ‏,‏ أَوْ إنْ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ وَلَمْ يُلَبِّ وَهَذَا أَمْرٌ لاَ يُوجِبُهُ قُرْآنٌ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ‏,‏ وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ‏,‏ وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ‏,‏ وَلاَ تَابِعٍ‏,‏ وَلاَ قِيَاسٌ‏,‏ وَلاَ نَظَرٌ يُعْقَلُ وقال مالك‏;‏ وَسُفْيَانُ‏,‏ وَالأَوْزَاعِيُّ‏,‏ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ‏,‏ وَاللَّيْثُ‏,‏ وَأَبُو يُوسُفَ‏:‏ إنْ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ مِنْهُ‏;‏ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ‏,‏ وَلاَ دَمَ، وَلاَ غَيْرَهُ لَبَّى أَوْ لَمْ يُلَبِّ‏;‏ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ فَعَلَيْهِ دَمٌ‏,‏ وَحَجُّهُ‏,‏ وَعُمْرَتُهُ‏:‏ صَحِيحَانِ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ‏:‏ عَلَيْهِ دَمُ شَاةٍ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ أَوْ لَمْ يَرْجِعْ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ

حدثنا وَكِيعٌ، وَابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ وَكِيعٌ‏:‏ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ‏;‏ وَقَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ‏:‏ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ ثُمَّ اتَّفَقَ حَبِيبٌ‏,‏ وَجَابِرٌ كِلاَهُمَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يَرِدُ إلَى الْمِيقَاتِ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ‏,‏ قَالَ جَابِرٌ‏:‏ رَأَيْته يَفْعَلُ ذَلِكَ‏,‏ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ إذَا زَلَّ الرَّجُلُ عَنْ الْوَقْتِ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْمِيقَاتِ فَإِنْ خَشِيَ أَنْ يَفُوتَهُ الْحَجُّ تَقَدَّمَ وَأَهْرَاقَ دَمًا‏.‏

وَعَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إذَا لَمْ يُهِلَّ مِنْ مِيقَاتِهِ أَجْزَأَهُ وَأَرَاقَ دَمًا وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا وَكِيعٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ وَبَرَةَ‏:‏ أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ وَقَدْ حَضَرَ الْحَجَّ وَخَافَ إنْ رَجَعَ فَوْتَهُ فَأَمَرَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَنْ يُهِلَّ مِنْ مَكَانِهِ فَإِذَا قَضَى الْحَجَّ خَرَجَ إلَى الْوَقْتِ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ أَوْ عَمِّهِ‏:‏ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَآهُمْ بِذَاتِ الشُّقُوقِ فَقَالَ‏:‏ مَا هَؤُلاَءِ أَتُجَّارٌ قَالُوا‏:‏ لاَ‏,‏ قَالَ‏:‏ فَمَا يَحْبِسُهُمْ عَمَّا خَرَجُوا لَهُ فَمَالُوا إلَى أَدْنَى مَاءٍ فَاغْتَسَلُوا وَأَحْرَمُوا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ مَا نَعْلَمُ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي هَذَا إلاَّ مَا أَوْرَدْنَا‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا بِتَجَاوُزِ الْمِيقَاتِ لِمَنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ‏.‏

وَعَنْ الزُّهْرِيِّ نَحْوُ هَذَا لِمَنْ تَوَقَّعَ شَيْئًا وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِيمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ لاَ حَاجًّا، وَلاَ مُعْتَمِرًا وَخَشِيَ فَوَاتَ الْحَجِّ إنْ خَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ‏,‏ قَالَ‏:‏ يُهِلُّ مِنْ مَكَانِهِ‏.‏

قَالَ حَبِيبٌ‏:‏ وَلَمْ يَذْكُرْ دَمًا‏.‏

وَعَنْ الْحَسَنِ‏,‏ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْمِيقَاتِ‏.‏

وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ مَرَّةً‏:‏ عَلَيْهِ دَمٌ‏,‏ وَمَرَّةً قَالَ‏:‏ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ‏,‏ رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ‏:‏ لَيْسَ عَلَى مَنْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ شَيْءٌ‏.‏

قَالَ سُفْيَانُ‏:‏ لاَ يُعْجِبُنَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ أَنَا خُصَيْفٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ مَنْ جَاوَزَ الْوَقْتَ الَّذِي وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ فَلَنْ يُغْنِي عَنْهُ إنْ أَحْرَمَ شَيْئًا حَتَّى يَرْجِعَ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي وَقَّتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَيُحْرِمُ مِنْهُ إلاَّ إنْسَانٌ أَهْلُهُ مِنْ وَرَاءِ الْوَقْتِ فَيُحْرِمُ مِنْ أَهْلِهِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَأَصَحُّ الرِّوَايَاتِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِنَا‏;‏ وَأَضْعَفُ الرِّوَايَاتِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِ الْحَاضِرِينَ مِنْ مُخَالِفِينَا وَلَيْسَ بَعْضُ أَقْوَالِهِمْ رضي الله عنهم بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ‏,‏ الْوَاجِبُ عِنْدَ التَّنَازُعِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذْ يَقُولُ‏:‏ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَفَعَلْنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَقَّتَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَوَاقِيتَ وَحَدَّ حُدُودًا فَلاَ يَحِلُّ تَعَدِّيهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ‏.‏

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَقَالَ عليه السلام‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَحِّحَ عَمَلاً عُمِلَ عَلَى خِلاَفِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلاَ أَنْ يُشَرِّعَ وُجُوبَ دَمٍ لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلاَ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا فَيُبِيحُ مِنْ مَالِهِ الْمُحْرِمُ مَا لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ بِإِبَاحَتِهِ‏,‏ وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ أَوْجَبَ الدَّمَ وَأَجَازَ الإِحْرَامَ حُجَّةً أَصْلاً‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ إنَّ أَشْيَاءَ جَاءَ النَّصُّ فِيهَا بِوُجُوبِ دَمٍ قلنا‏:‏ نَعَمْ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ تَعَدِّيهَا وَلَيْسَ مِنْكُمْ أَحَدٌ إلاَّ وَقَدْ أَوْجَبَ الدَّمَ حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهُ صَاحِبُهُ‏;‏ وَهَذَا تَحَكُّمٌ لاَ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَمِنْهُ مَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَإِنَّ قَوْمًا اسْتَحَبُّوهُ‏,‏ وَقَوْمًا كَرِهُوهُ وَأَلْزَمُوهُ إذَا وَقَعَ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُذَيْنَةَ بْنِ مَسْلَمَةَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ قُلْت لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ‏:‏ إنِّي رَكِبْت السُّفُنَ‏,‏ وَالْخَيْلَ‏,‏ وَالإِبِلَ فَمِنْ أَيْنَ أُحْرِمُ‏,‏ فَقَالَ‏:‏ ائْتِ عَلِيًّا فَاسْأَلْهُ فَسَأَلَ عَلِيًّا فَقَالَ لَهُ‏:‏ مِنْ حَيْثُ أَبْدَأْت أَنْ تُنْشِئَهَا مِنْ بِلاَدِك‏,‏ فَرَجَعَ إلَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ‏,‏ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ‏:‏ هُوَ كَمَا قَالَ لَك عَلِيٌّ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏ فَقَالَ‏:‏ أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِك‏.‏

وَبِهِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلُهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيِّ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَلاَّمٍ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ‏:‏ الْعُمْرَةُ تَامَّةٌ مِنْ أَهْلِك‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْحِمَّانِيُّ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ أَحْرَمَ مِنْ المنجشانية بِقُرْبِ الْبَصْرَةِ‏.‏

وَعَنْ الْحَسَنِ‏:‏ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ أَحْرَمَ مِنْ الْبَصْرَةِ‏.‏

وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ‏.‏

وَعَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ أَنَّ أَبَا مَسْعُودٍ أَحْرَمَ مِنْ السَّيْلَحِينِ‏.‏

وَعَنْ رَجُلٍ‏:‏ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَحْرَمَ مِنْ الشَّامِ فِي بَرْدٍ شَدِيدٍ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ أَنَسٍ إلَى مَكَّةَ‏,‏ فَأَحْرَمَ مِنْ الْعَقِيقِ‏.‏

وَعَنْ مُعَاذٍ‏:‏ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ الشَّامِ وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حدثنا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ‏:‏ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي عَمَّارٍ أَنَّهُ كَانَ مَعَ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ‏,‏ وَكَعْبِ الْخَيْرِ‏:‏ فَأَحْرَمَا مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِعُمْرَةٍ وَأَحْرَمَ مَعَهُمَا وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حدثنا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ‏.‏

وَعَنْ إبْرَاهِيمَ‏:‏ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَوَّلَ مَا يَحُجُّ الرَّجُلُ أَوْ يَعْتَمِرُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَرْضِهِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ الْكُوفَةِ‏.‏

وَعَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ ضَرِيَّةَ‏.‏

وَعَنْ الأَسْوَدِ‏,‏ وَأَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ أَنَّهُمْ أَحْرَمُوا مِنْ الْكُوفَةِ وَعَنْ طَاوُسٍ‏,‏ وَعَطَاءٍ نَحْوُ هَذَا‏.‏

وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى هَذَا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حدثنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُحَنَّسَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الأَخْنَسِيِّ عَنْ جَدَّته حَكِيمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏ يَقُولُ‏:‏ مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ‏,‏ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ أَوْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ شَكَّ عَبْدُ اللَّهِ أَيُّهُمَا قَالَ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنْ أُمِّ حَكِيمِ بِنْتِ أُمَيَّةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ‏"‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ غُفِرَ لَهُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ أَمَّا هَذَانِ الأَثَرَانِ فَلاَ يَشْتَغِلُ بِهِمَا مَنْ لَهُ أَدْنَى عِلْمٍ بِالْحَدِيثِ لأَِنَّ يَحْيَى بْنَ أَبِي سُفْيَانَ الأَخْنَسِيَّ‏,‏ وَجَدَّتَهُ حَكِيمَةَ‏,‏ وَأُمَّ حَكِيمِ بِنْتِ أُمَيَّةَ لاَ يُدْرَى مَنْ هُمْ مِنْ النَّاسِ، وَلاَ يَجُوزُ مُخَالَفَةُ مَا صَحَّ بِيَقِينٍ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمَجْهُولاَتِ الَّتِي لَمْ تَصِحَّ قَطُّ‏,‏ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ عَلِيًّا‏,‏ وَأَبَا مُوسَى‏:‏ أَحْرَمَا مِنْ الْيَمَنِ فَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ عَلَيْهِمَا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَكَذَلِكَ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَلاَ نَدْرِي أَيْنَ وَجَدَ هَذَا عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وأما عَلِيٌّ‏,‏ وَأَبُو مُوسَى‏,‏ فَإِنَّهُمَا قَدِمَا مِنْ الْيَمَنِ مُهِلَّيْنِ كَإِهْلاَلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَّمَهُمَا عليه السلام كَيْفَ يَعْمَلاَنِ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَلْبَتَّةَ ذِكْرٌ لِلْمَكَانِ الَّذِي أَحْرَمَا مِنْهُ‏,‏ وَلاَ فِيهِ دَلِيلٌ، وَلاَ نَصٌّ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ تَوْقِيتِهِ عليه السلام الْمَوَاقِيتَ‏,‏ فَإِذْ لَيْسَ ذَلِكَ فِيهِ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ بِهِ أَصْلاً‏,‏ وَلاَ نُخَالِفُهُمْ فِي أَنَّ قَبْلَ تَوْقِيتِهِ عليه السلام الْمَوَاقِيتَ كَانَ الإِحْرَامُ جَائِزًا مِنْ كُلِّ مَكَان‏.‏

وأما مَنْ قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رضي الله عنهم فأما خَبَرُ ابْنِ أُذَيْنَةَ فَإِنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ قَالَ

حدثنا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ، هُوَ ابْنُ عُتَيْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ قَالَ‏:‏ أَتَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِمَكَّةَ فَقُلْت لَهُ‏:‏ إنِّي رَكِبْت الإِبِلَ‏,‏ وَالْخَيْلَ حَتَّى أَتَيْتُك فَمِنْ أَيْنَ أَعْتَمِرُ قَالَ‏:‏ ائْتِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَسَلْهُ‏,‏ فَأَتَيْته فَسَأَلْته‏,‏ فَقَالَ لِي عَلِيٌّ‏:‏ مِنْ حَيْثُ أَبْدَأْت يَعْنِي مِنْ مِيقَاتِ أَرْضِهِ قَالَ‏:‏ فَأَتَيْت عُمَرَ فَذَكَرْت لَهُ ذَلِكَ‏,‏ فَقَالَ‏:‏ مَا أَجِدُ لَك إلاَّ مَا قَالَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ يَعْنِي مِنْ مِيقَاتِ أَرْضِهِ‏,‏ فَعَادَ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ لَوْ صَحَّ مِنْ أَصْلِهِ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ‏:‏ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ‏:‏ أَحْرَمَ عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ مِنْ الْبَصْرَةِ فَعَابَ ذَلِكَ عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَقَالَ‏:‏ أَرَدْت أَنْ يَقُولَ النَّاسُ‏:‏ أَحْرَمَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مِصْرٍ مِنْ الأَمْصَارِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَعُمَرُ لاَ يَعِيبُ مُسْتَحَبًّا فِيهِ أَجْرٌ وَقُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى‏;‏ نَعَمْ‏,‏ وَلاَ مُبَاحًا‏;‏ وَإِنَّمَا يَعِيبُ مَا لاَ يَجُوزُ عِنْدَهُ‏;‏ هَذَا مِمَّا لاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ غَيْرُ هَذَا أَصْلاً‏.‏

وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ‏:‏ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ أَحْرَمَ مِنْ الْبَصْرَةِ‏,‏ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَغَضِبَ وَقَالَ‏:‏ يَتَسَامَعُ النَّاسُ‏:‏ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْرَمَ مِنْ مِصْرِهِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ عُمَرُ لاَ يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَغْضَبَ مِنْ عَمَلٍ مُبَاحٍ عِنْدَهُ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حدثنا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ‏:‏ أَحْرَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ مِنْ حَيْرَبٍ فَقَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَلاَمَهُ فَقَالَ لَهُ‏:‏ غَرَرْت وَهَانَ عَلَيْك نُسُكُك‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَعُثْمَانُ لاَ يَعِيبُ عَمَلاً صَالِحًا عِنْدَهُ، وَلاَ مُبَاحًا وَإِنَّمَا يَعِيبُ مَا لاَ يَجُوزُ عِنْدَهُ لاَ سِيَّمَا وَقَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ هَوَانٌ بِالنُّسُكِ وَالْهَوَانُ بِالنُّسُكِ لاَ يَحِلُّ‏,‏ وَقَدْ أَمَرَ تَعَالَى بِتَعْظِيمِ شَعَائِرِ الْحَجِّ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ

حدثنا عُمَارَةُ بْنُ زَاذَانَ قَالَ‏:‏ قُلْت لاِبْنِ عُمَرَ‏:‏ الرَّجُلُ يُحْرِمُ مِنْ سَمَرْقَنْدَ‏,‏ أَوْ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي وُقِّتَ لَهُ‏,‏ أَوْ مِنْ الْبَصْرَةِ‏,‏ أَوْ مِنْ الْكُوفَةِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ قَدْ شَقِينَا إذًا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ لاَ يَحْتَمِلُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ إلاَّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الإِحْرَامُ مِنْ غَيْرِ الْوَقْتِ مُبَاحًا لَشَقِيَ الْمُحْرِمُونَ مِنْ الْوَقْتِ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ مُسْلِمٍ الْقَرِّيِّ قَالَ‏:‏ سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ مِنْ أَيْنَ أَعْتَمِرُ قَالَ‏:‏ مِنْ وَجْهِك الَّذِي جِئْت مِنْهُ‏,‏ يَعْنِي مِيقَاتَ أَرْضِهِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ نَصًّا يَعْنِي مِيقَاتَ أَرْضِهِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِعُمَرَ‏,‏ وَعُثْمَانَ‏,‏ وَعَلِيٍّ‏,‏ وَابْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ وَابْنِ عُمَرَ‏;‏ وأما سَائِرُ الرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَا عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا‏:‏ أَنَّهُمْ مَرُّوا عَلَى الْمِيقَاتِ‏;‏ وَإِذْ لَيْسَ هَذَا فِيهَا فَكَذَلِكَ نَقُولُ‏:‏ إنَّ مَنْ لَمْ يَمُرَّ عَلَى الْمِيقَاتِ فَلْيُحْرِمْ مِنْ حَيْثُ شَاءَ‏,‏ وَبِهَذَا تَتَّفِقُ الأَخْبَارُ عنهم مَعَ مَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُتْرَكَ مَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ‏,‏ وَابْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم لِظُنُونٍ كَاذِبَةٍ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ تَأْوِيلِهِمْ فِيهَا‏,‏ وَهِيَ خَارِجَةٌ أَحْسَنَ خُرُوجٍ عَلَى مُوَافَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّتِي لاَ يَحِلُّ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ غَيْرُهَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَمَنْ أَتَى إلَى مَا رُوِيَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ إنَّ الْقُبْلَةَ تُفْطِرُ الصَّائِمَ‏,‏ فَقَالَ‏:‏ لَعَلَّهُ أَرَادَ إذَا كَانَ مَعَهَا مَنِيٌّ‏.‏

وَإِلَى خَبَرِ عَائِشَةَ رضي الله عنها‏:‏ أَنَّهَا كَانَتْ لاَ تَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَهُ نِسَاءُ إخْوَتِهَا‏,‏ فَقَالَ‏:‏ لاَ نَدْرِي لِمَاذَا وَلَعَلَّهُ لاَِمْرٍ مَا‏,‏ وَلَيْسَ لأَِنَّهَا كَانَتْ لاَ تَرَى ذَلِكَ الرَّضَاعَ مُحَرِّمًا‏:‏ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْنَا حَمْلَ مَا رُوِيَ عنهم عَلَى حَقِيقَتِهِ وَظَاهِرِهِ‏;‏ بَلْ الْمَلاَمَةُ كُلُّهَا عَلَى مَنْ أَقْحَمَ فِي هَذِهِ الآثَارِ مَا لَيْسَ فِيهَا مِنْ أَنَّهُمْ جَازُوا عَلَى الْمَوَاقِيتِ‏;‏ بَلْ قَدْ كَذَبَ مَنْ قَالَ هَذَا بِلاَ شَكٍّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ‏,‏ وَسُفْيَانُ‏,‏ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ فَاسْتَحَبُّوا تَعْجِيلَ الإِحْرَامِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ‏;‏ وأما مَالِكٌ فَكَرِهَهُ وَأَلْزَمَهُ إذَا وَقَعَ‏.‏

وأما الشَّافِعِيُّ فَكَرِهَهُ‏;‏ وأما أَبُو سُلَيْمَانَ فَلَمْ يُجِزْهُ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا‏.‏

فأما أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ‏;‏ إذْ أَجَازَ الإِحْرَامَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ وَلَمْ يُجِزْ صَلاَةَ مَنْ صَلَّى وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الإِمَامِ نَهْرٌ، وَلاَ فَرَّقَ بَيْنَ الإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الإِحْرَامِ وَبَيْنَ الإِحْرَامِ بِالصَّلاَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الصَّلاَةِ‏.‏

وأما الْمَالِكِيُّونَ فَإِنْ حَمَلُوا هَذِهِ الآثَارَ عَلَى مَا حَمَلَهَا عَلَيْهِ الْحَنَفِيُّونَ فَقَدْ أَعْظَمُوا الْقَوْلَ عَلَى أُصُولِهِمْ إذْ كَرِهُوا مَا اسْتَحَبَّهُ الصَّحَابَةُ‏;‏ وَإِنْ حَمَلُوهَا عَلَى مَا حَمَلْنَاهَا نَحْنُ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يُجِيزُونَ خِلاَفَ مَا حَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا مَا لاَ مُخَلِّصَ مِنْهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

823 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

فَإِذَا جَاءَ مَنْ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ إلَى أَحَدِ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَلْيَتَجَرَّدْ مِنْ ثِيَابِهِ إنْ كَانَ رَجُلاً‏,‏ فَلاَ يَلْبَسُ الْقَمِيصَ‏,‏ وَلاَ سَرَاوِيلَ‏,‏ وَلاَ عِمَامَةً‏,‏ وَلاَ قَلَنْسُوَةً‏,‏ وَلاَ جُبَّةً‏,‏ وَلاَ بُرْنُسًا‏,‏ وَلاَ خُفَّيْنِ‏,‏ وَلاَ قُفَّازَيْنِ أَلْبَتَّةَ‏,‏ لَكِنْ يَلْتَحِفُ فِيمَا شَاءَ مِنْ كِسَاءٍ‏,‏ أَوْ مِلْحَفَةٍ ‏"‏ أَوْ رِدَاءٍ‏;‏ وَيَتَّزِرُ وَيَكْشِفُ رَأْسَهُ وَيَلْبَسُ نَعْلَيْهِ‏.‏

وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَّزِرَ‏,‏ وَلاَ أَنْ يَلْتَحِفَ فِي ثَوْبٍ صُبِغَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ بِوَرْسٍ‏,‏ أَوْ زَعْفَرَانٍ‏,‏ أَوْ عُصْفُرٍ‏.‏

فَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَلْتَلْبَسْ مَا شَاءَتْ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لاَ يَلْبَسُهُ الرَّجُلُ وَتُغَطِّي رَأْسَهَا إلاَّ أَنَّهَا لاَ تَنْتَقِبُ أَصْلاً‏;‏ لَكِنْ إمَّا أَنْ تَكْشِفَ وَجْهَهَا‏,‏ وأما أَنْ تَسْدُلَ عَلَيْهِ ثَوْبًا مِنْ فَوْقِ رَأْسِهَا فَذَلِكَ لَهَا إنْ شَاءَتْ‏.‏

وَلاَ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَلْبَسَ شَيْئًا صُبِغَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ‏,‏ وَلاَ أَنْ تَلْبَسَ قُفَّازَيْنِ فِي يَدَيْهَا‏,‏ وَلَهَا أَنْ تَلْبَسَ الْخِفَافَ وَالْمُعَصْفَرَ‏.‏

فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الرَّجُلُ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ السَّرَاوِيلَ كَمَا هِيَ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْ خُفَّيْهِ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ، وَلاَ بُدَّ وَيَلْبَسُهُمَا كَذَلِكَ‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ قَرَأْت عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لاَ تَلْبَسُوا الْقُمُصَ‏,‏ وَلاَ الْعَمَائِمَ‏,‏ وَلاَ السَّرَاوِيلاَتِ‏,‏ وَلاَ الْبَرَانِسَ، وَلاَ الْخِفَافَ إلاَّ أَحَدٌ لاَ يَجِدُ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ‏,‏ وَلاَ تَلْبَسُوا مِنْ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ، وَلاَ الْوَرْسُ‏.‏

وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حدثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، حدثنا أَبِيٌّ قَالَ سَمِعْت قَيْسًا، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ قَدْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ وَهُوَ مُصَفِّرٌ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ‏,‏ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ انْزِعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ‏,‏ وَاغْسِلْ عَنْكَ الصُّفْرَةَ‏,‏ وَمَا كُنْتَ صَانِعًا فِي حَجِّكَ فَاصْنَعْهُ فِي عُمْرَتِكَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ كُلُّ مَا جُبَّ فِيهِ مَوْضِعٌ لاِِخْرَاجِ الرَّأْسِ مِنْهُ‏:‏ فَهُوَ جُبَّةٌ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ‏;‏ وَكُلُّ مَا خِيطَ أَوْ نُسِجَ فِي طَرَفَيْهِ لِيَتَمَسَّكَ عَلَى الرَّأْسِ فَهُوَ بُرْنُسٌ كَالْغِفَارَةِ وَنَحْوِهَا

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حدثنا يَعْقُوبُ، هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حدثنا أَبِي عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ إنَّ نَافِعًا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ‏"‏ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى النِّسَاءَ فِي إحْرَامِهِنَّ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ‏,‏ وَالنِّقَابِ‏,‏ وَمَا مَسَّ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ‏,‏ مِنْ الثِّيَابِ وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحَبَّتْ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ مِنْ مُعَصْفَرٍ‏,‏ أَوْ خَزٍّ‏,‏ أَوْ حُلِيٍّ‏,‏ أَوْ سَرَاوِيلَ‏,‏ أَوْ قَمِيصٍ‏,‏ أَوْ خُفٍّ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَ حدثنا عبد الله بن ربيع قَالَ

حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، حدثنا نُوحُ بْنُ حَبِيبٍ الْقُومِسِيُّ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ، حدثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، حدثنا عَطَاءٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ مُتَضَمِّخٌ‏,‏ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَّا الْجُبَّةُ فَاخْلَعْهَا‏,‏ وأما الطِّيبُ فَاغْسِلْهُ‏,‏ ثُمَّ أَحْدِثْ إحْرَامًا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ نُوحٌ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ‏;‏ فَالأَخْذُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَاجِبٌ‏,‏ وَيَجِبُ إحْدَاثُ الإِحْرَامِ لِمَنْ أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ مُتَضَمِّخًا بِصُفْرَةٍ مَعًا وَإِنْ كَانَ جَاهِلاً لأَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ إلاَّ مَنْ جَمَعَهَا‏,‏ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الصَّلاَةِ نَهْيَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الرِّجَالَ عَنْ الْمُعَصْفَرِ جُمْلَةً‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَفِي بَعْضِ مَا ذَكَرْنَا خِلاَفٌ‏,‏ وَهُوَ الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ بِالْوَرْسِ‏,‏ أَوْ الزَّعْفَرَانِ‏,‏ إذَا غُسِلَ حَتَّى لاَ يَبْقَى مِنْهُ أَثَرٌ فَقَالَ قَوْمٌ‏:‏ لِبَاسُهُ جَائِزٌ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ قَدْ رَوَى بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا أَثَرًا فَإِنْ صَحَّ وَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَهُ، وَلاَ نَعْلَمُهُ صَحِيحًا‏,‏ وَإِلاَّ فَلاَ يَجُوزُ لِبَاسُهُ أَصْلاً‏;‏ لأَِنَّهُ قَدْ مَسَّهُ الْوَرْسُ‏,‏ أَوْ الزَّعْفَرَانُ‏:‏ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ التَّنُّورِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ‏:‏ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُرْوَةَ سَأَلَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ إذَا غُسِلَ حَتَّى ذَهَبَ لَوْنُهُ يَعْنِي بِالزَّعْفَرَانِ لِلْمُحْرِمِ فَنَهَاهُ عَنْهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ قَالَ‏:‏ كُنْت عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ‏:‏ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُحْرِمَ وَمَعِي ثَوْبٌ مَصْبُوغًا بِالزَّعْفَرَانِ فَغَسَلْته حَتَّى ذَهَبَ لَوْنُهُ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ‏:‏ أَمَعَك ثَوْبٌ غَيْرُهُ قَالَ‏:‏ لاَ‏,‏ قَالَ‏:‏ فَأَحْرِمْ فِيهِ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ إبَاحَةَ الإِحْرَامِ فِيهِ إذَا غُسِلَ، وَلاَ يَصِحُّ سَمَاعُ إبْرَاهِيمَ مِنْ عَائِشَةَ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمَ‏,‏ وَعَطَاءٍ‏,‏ وَالْحَسَنِ‏,‏ وَطَاوُسٍ‏:‏ إبَاحَةَ الإِحْرَامِ فِيهِ إذَا غُسِلَ وَفِي أَسَانِيدِهِمْ مَغْمَزٌ‏:‏ وَمِنْهُ‏:‏ مَنْ وَجَدَ خُفَّيْنِ وَلَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ‏:‏ يَلْبَسُهُمَا كَمَا هُمَا، وَلاَ يَقْطَعُهُمَا وَقَالَ قَوْمٌ يَشُقُّ السَّرَاوِيلَ فَيَتَّزِرُ بِهَا وَاحْتَجَّ مَنْ أَجَازَ لَهُ لِبَاسَ السَّرَاوِيلِ وَالْخُفَّيْنِ بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حدثنا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَاتٍ فَقَالَ‏:‏ مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ‏,‏ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ قَطْعُ الْخُفَّيْنِ إفْسَادٌ لِلْمَالِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ‏,‏ فَلْيَلْبَسْ السَّرَاوِيلَ كَمَا هِيَ، وَلاَ شَيْءَ فِي ذَلِكَ‏;‏ وأما الْخُفَّانِ فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِيهِ زِيَادَةُ الْقَطْعِ حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ‏,‏ وَلاَ تَرْكُ الزِّيَادَةِ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ‏"‏ إذَا لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ السَّرَاوِيلَ ‏"‏ وَصَحَّ أَيْضًا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا هُشَيْمٌ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، حدثنا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمُحْرِمُ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ‏:‏ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمُحْرِمُ النَّعْلَيْنِ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ‏.‏

وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُحْرِمِ لاَ يَجِدُ نَعْلَيْنِ‏:‏ قَالَ‏:‏ يَلْبَسُ الْخُفَّيْنِ وَيَقْطَعُهُمَا حَتَّى يَكُونَا مِثْلَ النَّعْلَيْنِ‏;‏ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ‏,‏ وَسُفْيَانَ‏,‏ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏,‏ وَبِهِ نَأْخُذُ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ‏,‏ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ إبَاحَةَ لِبَاسِ الْخُفَّيْنِ بِلاَ ضَرُورَةٍ لِلْمُحْرِمِ مِنْ الرِّجَالِ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ إنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا لَبِسَ سَرَاوِيلَ‏,‏ فَإِنْ لَبِسَهَا يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَلاَ بُدَّ‏.‏

وَإِنْ لَبِسَهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ‏,‏ وَإِنْ لَبِسَ خُفَّيْنِ لِعَدَمِ النَّعْلَيْنِ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ فَعَلَيْهِ دَمٌ‏,‏ وَإِنْ لَبِسَهُمَا أَقَلَّ فَصَدَقَةٌ‏;‏ وقال مالك‏:‏ مَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا لَبِسَ سَرَاوِيلَ وَافْتَدَى‏,‏ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ قَطَعَ الْخُفَّيْنِ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلَبِسَهُمَا، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ‏:‏ يَشُقُّ السَّرَاوِيلَ وَيَتَّزِرُ بِهَا، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ‏.‏

وَقَالَ أبو محمد‏:‏ أَمَّا تَقْسِيمُ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ لِبَاسِ السَّرَاوِيلِ وَالْخُفَّيْنِ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ‏,‏ وَبَيْنَ لِبَاسِهِمَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَقَوْلٌ لاَ يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ‏,‏ وَلَيْتَ شِعْرِي مَاذَا يَقُولُونَ إنْ لَبِسَهُمَا يَوْمًا غَيْرَ طَرْفَةِ عَيْنٍ‏,‏ أَوْ غَيْرَ نِصْفِ سَاعَةٍ وَهَكَذَا نَزِيدُهُمْ دَقِيقَةً دَقِيقَةً حَتَّى يَلُوحَ هَذَيَانُهُمْ‏,‏ وَقَوْلُهُمْ بِالأَضَالِيلِ فِي الدِّينِ‏,‏ وَكَذَلِكَ إيجَابُهُ الدَّمَ فِي ذَلِكَ‏,‏ أَوْ الصَّدَقَةَ‏,‏ لاَ نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الْفِدْيَةِ الْوَاجِبَةِ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ قلنا‏:‏ الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ‏,‏ ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ‏;‏ لأَِنَّ فِدْيَةَ الأَذَى جَاءَتْ بِتَخْيِيرٍ بَيْنَ صِيَامٍ‏,‏ أَوْ صَدَقَةٍ‏,‏ أَوْ نُسُكٍ‏,‏ وَأَنْتُمْ تَجْعَلُونَ هَاهُنَا الدَّمَ، وَلاَ بُدَّ‏;‏ أَوْ صَدَقَةً غَيْرَ مَحْدُودَةٍ، وَلاَ بُدَّ، وَلاَ سِيَّمَا وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ‏:‏ إنَّ الْكَفَّارَاتِ لاَ يَجُوزُ أَخْذُهَا بِالْقِيَاسِ‏,‏ فَكَمْ هَذَا التَّلاَعُبُ بِالدِّينِ وأما قَوْلُ مَالِكٍ فَتَقْسِيمُهُ بَيْنَ حُكْمِ السَّرَاوِيلِ وَبَيْنَ حُكْمِ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ‏,‏ خَطَأٌ لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ‏,‏ وَمَالِكٌ مَعْذُورٌ‏,‏ لأَِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ وَإِنَّمَا الْمَلاَمَةُ عَلَى مَنْ بَلَغَهُ وَخَالَفَهُ لِتَقْلِيدِ رَأْيِ مَالِكٍ‏.‏

وأما قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَخَطَأٌ‏;‏ لأَِنَّهُ اسْتَدْرَكَ بِعَقْلِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ عليه السلام وَأَوْجَبَ فِدْيَةً حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهَا النَّبِيُّ عليه السلام‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلاَفَ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ‏;‏ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا رُوِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ وَابْنِ عُمَرَ‏,‏ وَعَائِشَةَ‏,‏ وَعَلِيٍّ‏,‏ وَالْمِسْوَرِ‏,‏ وَلاَ نَعْلَمُ لأَِحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم قَوْلاً غَيْرَ الأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَخَالَفَهَا الْحَنَفِيُّونَ‏,‏ وَالْمَالِكِيُّونَ كُلُّهَا آرَاءٌ فَاسِدَةٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ نَهْيَ الْمَرْأَةِ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ‏,‏ وَعَنْ عَلِيٍّ‏,‏ وَابْنِ عُمَرَ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ‏,‏ وَالْحَسَنِ‏,‏ وَعَطَاءٍ‏,‏ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ‏,‏ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ إبَاحَةَ الْقُفَّازَيْنِ لِلْمَرْأَةِ‏,‏ وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ‏,‏ وَحَمَّادٍ‏,‏ وَعَطَاءٍ‏,‏ وَمَكْحُولٍ‏,‏ وَعَلْقَمَةَ‏,‏ وَغَيْرِهِمْ‏;‏ وَحَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي ذَكَرْنَا هُوَ الْحَاكِمُ عَلَى مَا سِوَاهُ‏.‏

وأما الْمُعَصْفَرُ فَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْمَنْعَ مِنْهُ جُمْلَةً وَلِلْمُحْرِمِ خَاصَّةً أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ‏,‏ وَعَطَاءٍ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ‏,‏ وَابْنِ عُمَرَ‏,‏ وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ إبَاحَتَهُ لِلْمُحْرِمِ‏,‏ وَلَمْ يُبِحْهُ أَبُو حَنِيفَةَ‏,‏ وَمَالِكٌ‏:‏ لِلْمُحْرِمِ‏,‏ وَأَبَاحَهُ الشَّافِعِيُّ‏.‏

وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏,‏ وَابْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ وَعَلِيٍّ‏,‏ وَعَقِيلِ ابْنَيْ أَبِي طَالِبٍ‏,‏ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ‏,‏ وَغَيْرِهِمْ‏,‏ إبَاحَةَ الْمُوَرَّدِ لِلرَّجُلِ الْمُحْرِمِ‏,‏ وَهُوَ مُبَاحٌ إذَا لَمْ يَكُنْ بِزَعْفَرَانٍ‏,‏ أَوْ وَرْسٍ‏,‏ أَوْ عُصْفُرٍ‏;‏ لأَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ نَهْيٌ فِي قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ‏.‏

824 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَنَسْتَحِبُّ الْغُسْلَ عِنْدَ الإِحْرَامِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ‏,‏ وَلَيْسَ فَرْضًا إلاَّ عَلَى النُّفَسَاءِ وَحْدَهَا‏:‏ لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ‏:‏ أَنَّهَا وَلَدَتْ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِالْبَيْدَاءِ فَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ مُرْهَا فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ تُهِلُّ‏.‏

825 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَنَسْتَحِبُّ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ أَنْ يَتَطَيَّبَا عِنْدَ الإِحْرَامِ بِأَطْيَبَ مَا يَجِدَانِهِ مِنْ الْغَالِيَةِ وَالْبَخُورِ بِالْعَنْبَرِ‏,‏ وَغَيْرِهِ‏;‏ ثُمَّ لاَ يُزِيلاَنِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا مَا بَقِيَ عَلَيْهِمَا وَكُرِهَ الطِّيبُ لِلْمُحْرِمِ قَوْمٌ‏:‏ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ وَجَدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رِيحَ طِيبٍ بِالشَّجَرَةِ فَقَالَ‏:‏ مِمَّنْ هَذِهِ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ‏:‏ مِنِّي طَيَّبَتْنِي أُمُّ حَبِيبَةَ فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ عُمَرُ‏,‏ وَقَالَ‏:‏ مِنْك لَعَمْرِي أَقْسَمْت عَلَيْك لَتَرْجِعَن إلَى أُمِّ حَبِيبَةَ‏,‏ فَلْتَغْسِلْهُ عَنْك كَمَا طَيَّبَتْكَ‏;‏ وَ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ إنَّمَا الْحَاجُّ الأَشْعَثُ‏,‏ الأَدْفَرُ‏,‏ الأَشْعَرُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ‏:‏ أَنَّ عُثْمَانَ رَأَى رَجُلاً قَدْ تَطَيَّبَ عِنْدَ الإِحْرَامِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَغْسِلَ رَأْسَهُ بِطِينٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ‏,‏ قَالَ‏:‏ سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ‏:‏ لاََنْ أُصْبِحَ مَطْلِيًّا بِقَطِرَانٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُصْبِحَ مُحْرِمًا أَنْضَحُ طِيبًا وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ‏,‏ وَالزُّهْرِيِّ‏,‏ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏,‏ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ‏,‏ وَمَالِكٍ‏,‏ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ إلاَّ أَنَّ مَالِكًا قَالَ‏:‏ إنْ تَطَيَّبَ قَبْلَ إحْرَامِهِ وَقَبْلَ إفَاضَتِهِ‏,‏ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَأَبَاحَهُ جُمْهُورُ النَّاسِ كَمَا رُوِّينَا آنِفًا عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ‏,‏ وَمُعَاوِيَةَ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ الأَنْصَارِيِّ‏:‏ أَنَّ عُمَرَ وَجَدَ رِيحَ طِيبٍ فَقَالَ‏:‏ مِمَّنْ هَذِهِ الرِّيحُ فَقَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ‏:‏ مِنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ‏,‏ قَالَ‏:‏ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ امْرَأَتَك عَطِرَةٌ إنَّمَا الْحَاجُّ‏,‏ الأَدْفَرُ‏,‏ الأَغْبَرُ وَبِهِ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ‏,‏ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ يَتَطَيَّبُ بِالْمِسْكِ عِنْدَ إحْرَامِهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ‏:‏ رَأَيْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَصَابَ ثَوْبَهُ مِنْ خَلُوقِ الْكَعْبَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَلَمْ يَغْسِلْهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَتْ‏:‏ طَيَّبْت أَبِي بِالسُّكِّ‏,‏ وَالذَّرِيرَةِ لِحَرَمِهِ حِينَ أَحْرَمَ‏,‏ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَزُورَ‏,‏ أَوْ يَطُوفَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْهَا وَغَيْرِهِ‏,‏ أَنَّهَا سَأَلَتْ مَا كَانَ ذَلِكَ الطِّيبُ قَالَتْ‏:‏ الْبَانُ الْجَيِّدُ‏,‏ وَالذَّرِيرَةُ الْمُمَسَّكَةُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ سُوَيْد الثَّقَفِيِّ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ‏:‏ كُنَّا نُضَمِّخُ جِبَاهَنَا بِالْمِسْكِ الْمُطَيَّبِ قَبْلَ أَنْ نُحْرِمَ‏,‏ ثُمَّ نُحْرِمَ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَعْرَقُ فَيَسِيلُ عَلَى وُجُوهِنَا فَلاَ يَنْهَانَا عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ حَدَّثَتْنِي ذَرَّةُ أَنَّهَا كَانَتْ تُغَلِّفُ رَأْسَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمِسْكِ‏,‏ وَالْعَنْبَرِ عِنْدَ الإِحْرَامِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أُمِّهِ وَهِيَ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَأَيْت عَائِشَةَ تَنْكُثُ فِي مَفَارِقِهَا الطِّيبَ ثُمَّ تُحْرِمُ‏.‏

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُدَهَّنُ بِالْبَانِ عِنْدَ الإِحْرَامِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالطِّيبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ مُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ‏:‏ سَأَلْنَا أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ بِأَيِّ شَيْءٍ يُدَهَّنُ الْمُحْرِمُ قَالَ‏:‏ بِالدُّهْنِ‏.‏

وَعَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى قَالَ‏:‏ رَأَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَفِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ مَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ لاَِتَّخَذَ مِنْهُ رَأْسَ مَالٍ‏.‏

وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَتَطَيَّبُ بِالْغَالِيَةِ الْجَدِيدَةِ عِنْدَ إحْرَامِهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الطِّيبِ الْمُحَرَّمِ فَقَالَ‏:‏ إنِّي لاَُسَغْسِغُهُ فِي رَأْسِي قَبْلَ أَنْ أُحْرِمَ ثُمَّ أُحِبُّ بَقَاءَهُ‏.‏

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا بِالطِّيبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ وَيَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَزُورَ‏.‏

فَهَؤُلاَءِ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم‏:‏ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ‏,‏ وَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ‏:‏ عَائِشَةُ‏,‏ وَأُمُّ حَبِيبَةَ‏;‏ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ‏,‏ وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ‏,‏ وَأَبُو ذَرٍّ‏,‏ وَأَبُو سَعِيدٍ‏,‏ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ‏,‏ وَأَنَسٌ‏,‏ وَمُعَاوِيَةُ‏,‏ وَكَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ‏,‏ وَابْنُ الزُّبَيْرِ‏,‏ وَابْنُ عَبَّاسٍ‏.‏

وَعَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يُغَلِّفُ رَأْسَهُ بِالْغَالِيَةِ الْجَيِّدَةِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ‏.‏

وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَانَ يُدَهَّنُ بِالسَّلِيخَةِ عِنْدَ الإِحْرَامِ وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ‏:‏ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُحَمِّرُ ثِيَابَهُ‏,‏ وَيُحْرِمُ فِيهَا قَالَ‏:‏ وَكَانَ يَرَى لِحَانَا تَقْطُرُ مِنْ الْغَالِيَةِ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ فَلاَ يُنْكِرُ ذَلِكَ عَلَيْنَا‏.‏

وَعَنْ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ كَانَ يُحْرِمُ وَوَبِيصُ الطِّيبِ يُرَى فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ‏.‏

وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ‏:‏ كَانَ أَبِي يَقُولُ لَنَا‏:‏ تَطَيَّبُوا قَبْلَ أَنْ تُحْرِمُوا وَقَبْلَ أَنْ تُفِيضُوا يَوْمَ النَّحْرِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدِ الْوَزَّانُ أَنَا عَمْرُو بْنُ أَيُّوبَ، حدثنا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ عَامَ حَجَّ جَمَعَ أُنَاسًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ‏,‏ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ‏,‏ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ‏,‏ وَسَالِمٌ‏,‏ وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ‏,‏ وَابْنُ شِهَابٍ‏,‏ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَسَأَلَهُمْ عَنْ الطِّيبِ قَبْلَ الإِفَاضَةِ فَكُلُّهُمْ أَمَرَهُ بِالطِّيبِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلاَّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ لَهُ‏:‏ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ جَادًّا مُجِدًّا وَكَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ ثُمَّ يَذْبَحُ ثُمَّ يَحْلِقُ ثُمَّ يَرْكَبُ فَيُفِيضُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ فَقَالَ سَالِمٌ‏:‏ صَدَقَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ‏:‏ قَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ‏:‏ قَالَتْ عَائِشَةُ‏:‏ أَنَا طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ‏,‏ هَكَذَا نَصُّ كَلاَمِ سَالِمٍ فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ تَتَّبِعْ مَا جَاءَ عَنْ أَبِيهِ وَجَدِّهِ فِي ذَلِكَ‏.‏

وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا‏:‏ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ‏,‏ وَابْنِ جُرَيْجٍ‏,‏ وَاسْتَحَبَّهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَيُّ طِيبٍ كَانَ عِنْدَ الإِحْرَامِ قَبْلَ الْغُسْلِ وَبَعْدَهُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَهَؤُلاَءِ جُمْهُورُ التَّابِعِينَ‏,‏ وَفُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ‏,‏ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَأَبِي يُوسُفَ‏,‏ وَزُفَرَ‏,‏ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي أَشْهَرِ قَوْلَيْهِ‏,‏ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ‏,‏ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ‏,‏ وَإِسْحَاقَ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏,‏ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ أَمَّا عُمَرُ فَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا إذْ شَمَّ الطِّيبَ مِنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَدْ تُوقَفُ كَرَاهِيَتُهُ وَإِنْكَارُهُ وأما عَبْدُ اللَّهِ ابْنُهُ فَإِنَّنَا رُوِّينَاهُ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ عَنْ الطِّيبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ فَقَالَ‏:‏ لاَ آمُرُ بِهِ، وَلاَ أَنْهَى عَنْهُ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ دَعَوْت رَجُلاً وَأَنَا جَالِسٌ بِجَنْبِ أَبِي فَأَرْسَلْته إلَى عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ الطِّيبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ وَقَدْ عَلِمْت قَوْلَهَا وَلَكِنْ أَحْبَبْت أَنْ يَسْمَعَهُ أَبِي فَجَاءَنِي رَسُولِي فَقَالَ‏:‏ إنَّ عَائِشَةَ تَقُولُ‏:‏ لاَ بَأْسَ بِالطِّيبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ فَأَصِبْ مَا بَدَا لَك فَصَمَتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ‏.‏

قال علي‏:‏ هذا بِأَصَحِّ إسْنَادٍ بَيَانٌ فِي أَنَّهُ قَدْ رَجَعَ عَنْ كَرَاهَتِهِ جُمْلَةً وَلَمْ يُنْكِرْ اسْتِحْسَانَهُ فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِعُمَرَ‏,‏ وَبِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ‏,‏ وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ إلاَّ عُثْمَانُ وَحْدَهُ‏,‏ وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ رضي الله عنهم مَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ إجَازَةِ تَغْطِيَةِ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ فَخَالَفُوهُ فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ قَوْلَهُ حَيْثُ لَمْ تَبْلُغْهُ السُّنَّةُ حُجَّةً‏,‏ وَلَمْ يَجْعَلْ فِعْلَهُ حَيْثُ لاَ خِلاَفَ فِيهِ لِلسُّنَنِ حُجَّةً إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرُّجُوعَ إلَيْهِ مِنْ بَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُدَهَّنُ بِالزَّيْتِ‏,‏ فَذَكَرْته لاِِبْرَاهِيمَ هُوَ النَّخَعِيُّ فَقَالَ‏:‏ مَا تَصْنَعُ بِقَوْلِهِ‏:‏ حَدَّثَنِي الأَسْوَدُ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُحْرِمٌ، حدثنا أحمد بن قاسم، حدثنا أَبُو قَاسِمِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ، حدثنا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا أَبُو إسْمَاعِيلَ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيِّ، حدثنا الْحُمَيْدِيُّ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حدثنا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ رَأَيْت الطِّيبَ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ‏.‏

وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَلْقَمَةَ‏,‏ وَمَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ‏,‏ وَيَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ قَالاَ جَمِيعًا

حدثنا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ‏:‏ كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ‏,‏ وَيَوْمَ النَّحْرِ‏,‏ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ‏:‏، حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حدثنا سُفْيَانُ، حدثنا عُثْمَانَ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ قُلْت لِعَائِشَةَ‏:‏ بِأَيِّ شَيْءٍ طَيَّبْتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ‏:‏ بِأَطْيَبِ الطِّيبِ عِنْدَ حِلِّهِ وَحَرَمِهِ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا‏:‏ مِنْ طَرِيقِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْهَا‏.‏

فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ لاَ يَحِلُّ لأَِحَدٍ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهَا‏;‏ رَوَاهُ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ‏:‏ عُرْوَةُ‏,‏ وَالْقَاسِمُ‏,‏ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ‏,‏ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ‏,‏ وَعَمْرَةُ‏,‏ وَمَسْرُوقٌ‏,‏ وَعَلْقَمَةُ‏,‏ وَالأَسْوَدُ‏.‏

وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلاَءِ‏:‏ النَّاسُ الأَعْلاَمُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَاعْتَرَضَ مَنْ قَلَّدَ مَالِكًا‏,‏ وَمُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ فِي هَذَا بِأَنْ قَالُوا‏:‏ قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ النَّحَّاسِ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاِِحْلاَلِهِ وَلاِِحْرَامِهِ طِيبًا لاَ يُشْبِهُ طِيبَكُمْ هَذَا تَعْنِي لَيْسَ لَهُ بَقَاءٌ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ هَذِهِ لَفْظَةٌ لَيْسَتْ مِنْ كَلاَمِهَا بِلاَ شَكٍّ بِنَصِّ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا هُوَ ظَنٌّ مِمَّنْ دُونَهَا‏,‏ وَالظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ‏;‏ وَقَدْ صَحَّ عَنْهَا مِنْ طَرِيقِ مَسْرُوقٍ‏,‏ وَعَلْقَمَةَ‏,‏ وَالأَسْوَدِ وَهُمْ النُّجُومُ الثَّوَاقِبُ أَنَّهَا قَالَتْ‏:‏ إنَّهَا رَأَتْ الطِّيبَ فِي مَفْرِقِهِ عليه السلام بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، وَلاَ ضَعْفَ أَضْعَفُ مِمَّنْ يُكَذِّبُ رِوَايَةَ هَؤُلاَءِ عَنْهَا أَنَّهَا رَأَتْ بِعَيْنِهَا بِرِوَايَةِ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ النَّحَّاسِ بِظَنٍّ ظَنَّهُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَظُنَّهُ‏;‏ اللَّهُمَّ فَلاَ أَكْثَرَ فَهَذَا عَجَبٌ عَجِيبٌ‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ هَذَا خُصُوصٌ لَهُ عليه السلام‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ كَذَبَ قَائِلُ هَذَا لأَِنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَوَى عَنْهَا بِأَصَحِّ إسْنَادٍ أَنَّهَا طَيَّبَتْهُ عليه السلام قَالَتْ‏:‏ بِيَدَيَّ‏.‏

رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ‏.‏

وَرُوِّينَاهُ قَبْلُ أَنَّهُنَّ كُنَّ يُضَمِّخْنَ جِبَاهَهُنَّ بِالْمِسْكِ ثُمَّ يُحْرِمْنَ ثُمَّ يَعْرَقْنَ فَيَسِيلُ عَلَى وُجُوهِهِنَّ فَيَرَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلاَ يُنْكِرُهُ‏.‏

ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ كُلُّ هَذِهِ الظُّنُونِ لَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ‏;‏ لأَِنَّ فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام تَطَيَّبَ عِنْدَ الإِحْرَامِ بِطِيبٍ‏,‏ فَيُقَالُ لَهُمْ‏:‏ لِيَكُنْ أَيَّ طِيبٍ شَاءَ‏,‏ هُوَ طِيبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ‏,‏ وَأَنَّهُمْ يَكْرَهُونَ الطِّيبَ بِكُلِّ حَالٍ‏,‏ فَكَمْ هَذَا التَّمْوِيهُ بِمَا هُوَ عَلَيْكُمْ وَتُوهِمُونَ أَنَّهُ لَكُمْ‏,‏ فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَهُمْ يُعَارِضُونَ الْحَقَّ الْبَيِّنَ بِالظُّنُونِ وَالتَّكَاذِيبِ وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ قَوْلُهَا ‏"‏ لاَ يُشْبِهُ طِيبَكُمْ هَذَا ‏"‏ إنْ صَحَّ عَنْهَا‏:‏ عَلَى أَنَّهُ أَطْيَبُ مِنْ طِيبِنَا‏,‏ لاَ يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا لِقَوْلِهَا الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ عَنْهَا آنِفًا ‏"‏ أَنَّهَا طَيَّبَتْهُ عليه السلام بِأَطْيَبِ الطِّيبِ ‏"‏‏.‏

وَاعْتَرَضَ فِي ذَلِكَ مَنْ دَقَّقَ مِنْهُمْ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ‏:‏ طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَطَافَ فِي نِسَائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا‏.‏

قَالَ‏:‏ فَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ اغْتَسَلَ فَزَالَ ذَلِكَ الطِّيبُ عَنْهُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْهَوَى وَمَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُكَابَرَةِ لِلْحَقِّ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ‏,‏ وَيُكَذِّبُ ظَنَّ هَذَا الظَّانِّ مَا رَوَاهُ كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا قَبْلُ عَنْ عَائِشَةَ مِمَّنْ لاَ يُعْدَلُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْتَشِرِ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ لَوْ انْفَرَدَ‏,‏ فَكَيْفَ إذَا اجْتَمَعُوا مِنْ أَنَّهَا طَيَّبَتْهُ عليه السلام عِنْدَ إحْرَامِهِ وَلاِِحْلاَلِهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَمَا رَوَاهُ مَنْ رَوَاهُ مِنْهُمْ مِنْ أَنَّهَا رَأَتْ الطِّيبَ فِي مَفَارِقِهِ عليه السلام بَعْدَ ثَالِثَةٍ مِنْ إحْرَامِهِ‏.‏

وَأَيْضًا‏:‏ فَقَدْ صَحَّ بِيَقِينٍ لاَ خِلاَفَ فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا أَحْرَمَ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ إثْرَ صَلاَةِ الظُّهْرِ‏;‏ فَصَحَّ أَنَّ الطِّيبَ الَّذِي رَوَى ابْنُ الْمُنْتَشِرِ هُوَ طِيبٌ آخَرُ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ بِلَيْلَةٍ طَافَ فِيهَا عليه السلام عَلَى نِسَائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ الْمُنْتَشِرِ‏;‏ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِي حَدِيثِ ابْنِ الْمُنْتَشِرِ مُتَعَلِّقٌ‏,‏ وَابْنُ الْمُنْتَشِرِ كُوفِيٌّ‏,‏ فَيَا عَجَبًا لِلْمَالِكِيِّينَ لاَ يَزَالُونَ يُضَعِّفُونَ رِوَايَةَ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَإِذَا وَافَقَتْهُمْ تَرَكُوا لَهَا الْمَشْهُورَ مِنْ رِوَايَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَكَيْفَ وَلَيْسَتْ رِوَايَةُ ابْنِ الْمُنْتَشِرِ مُخَالِفَةً لِرِوَايَةِ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ وَاحْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قِيلَ‏:‏ مَنْ الْحَاجُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ‏:‏ الأَشْعَثُ التَّفِلُ‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ‏,‏ وَهُوَ سَاقِطٌ لاَ يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ‏,‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ‏,‏ لأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَشْعَثَ تَفِلاً مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ، وَلاَ بَعْدَ يَوْمَيْنِ وَثَلاَثَةٍ‏;‏ وَإِنَّمَا أَبَحْنَا لَهُ الطِّيبَ عِنْدَ الإِحْرَامِ‏,‏ وَعِنْدَ الإِحْلاَلِ كَغَسْلِ الرَّأْسِ بِالْخِطْمِيِّ حِينَئِذٍ وَشَغَبَ بَعْضُهُمْ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ خَشْرَمٍ أَنَا عِيسَى، هُوَ ابْنُ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ‏:‏ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ أَخْبَرَهُ‏:‏ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْجِعْرَانَةِ وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَوْبٌ قَدْ أَظَلَّ بِهِ عَلَيْهِ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ عُمَرُ إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ عَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْف تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي جُبَّةٍ بَعْدَمَا تَضَمَّخَ بِطِيبٍ فَجَاءَهُ الْوَحْيُ فَذَكَرَ الْخَبَرَ‏.‏

وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِك فَاغْسِلْهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ‏,‏ وأما الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ‏.‏

وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ نَصًّا‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فِي احْتِجَاجِهِمْ بِهَذَا الْخَبَرِ عِبْرَةٌ، وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ‏,‏ أَمَّا الْعَجَبُ فَإِنَّهُ كَانَ فِي الْجِعْرَانَةِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ وَعُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ كَانَتْ إثْرَ فَتْحِ مَكَّةَ مُتَّصِلَةٌ بِهِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ لأَِنَّ فَتْحَ مَكَّةَ كَانَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ‏,‏ وَكَانَتْ حُنَيْنٌ مُتَّصِلَةً بِهِ‏,‏ ثُمَّ عُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ مُنْصَرِفُهُ عليه السلام مِنْ حُنَيْنٍ‏;‏ ثُمَّ حَجَّ تِلْكَ السَّنَةِ عَتَّابُ بْنُ أُسَيْدَ‏;‏ ثُمَّ كَانَ عَامٌ قَابِلٌ فَحَجَّ بِالنَّاسِ أَبُو بَكْرٍ‏;‏ ثُمَّ كَانَتْ حَجَّةُ الْوَدَاعِ فِي الْعَامِ الثَّالِثِ‏;‏ وَكَانَ تَطَيُّبُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَزْوَاجُهُ‏,‏ مَعَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَعْدَ حَدِيثِ هَذَا الرَّجُلِ بِأَزْيَدَ مِنْ عَامَيْنِ‏;‏ فَمَنْ أَعْجَبُ مِمَّنْ يُعَارِضُ آخِرَ فِعْلِهِ عليه السلام بِأَوَّلِ فِعْلِهِ هَذَا لَوْ صَحَّ أَنَّ حَدِيثَ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ الطِّيبِ لِلْمُحْرِمِ‏,‏ وَهَذَا لاَ يَصِحُّ لَهُمْ لِمَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

وأما كَوْنُهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ‏;‏ فَإِنَّ هَذَا الْخَبَرَ رَوَاهُ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْ ابْنِ جُرَيْجٍ وَأَجَلُّ مِنْهُ فَبَيَّنَهُ كَمَا حَدَّثَنَا حمام، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْبَاجِيَّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَشْوَرِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْحُذَافِيُّ، حدثنا عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حدثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ هُوَ سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا كَانَ بِالْجِعْرَانَةِ أَتَاهُ رَجُلٌ مُتَضَمِّخٌ بِخَلُوقٍ وَعَلَيْهِ مُقَطَّعَاتٌ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي وَأُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَانِي عُمَرُ فَنَظَرْت إلَيْهِ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ‏:‏ أَيْنَ السَّائِلُ هَا أَنَا ذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ‏:‏ مَا كُنْتَ تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ قَالَ‏:‏ أَنْزِعُ ثِيَابِي هَذِهِ وَأَغْسِلُ هَذَا عَنِّي قَالَ‏:‏ فَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مِثْلَ مَا تَصْنَعُ فِي حَجَّتِكَ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ مِنْ التَّابِعِينَ صَحِبَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ‏,‏ وَابْنُ عَبَّاسٍ‏,‏ وَابْنَ عُمَرَ‏,‏ فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الطِّيبَ إنَّمَا كَانَ خَلُوقًا‏.‏

وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حدثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، حدثنا أَبِي قَالَ‏:‏ سَمِعْت قَيْسًا، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ قَدْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ وَهُوَ مُصَفِّرٌ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَحْرَمْتُ بِعُمْرَةٍ وَأَنَا كَمَا تَرَى فَقَالَ‏:‏ انْزِعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ وَاغْسِلْ عَنْكَ الصُّفْرَةَ‏,‏ وَمَا كُنْتَ صَانِعًا فِي حَجِّكَ فَاصْنَعْهُ فِي عُمْرَتِكَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حدثنا هَمَّامُ، هُوَ ابْنُ يَحْيَى، حدثنا عَطَاءٌ، هُوَ ابْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ عَلَيْهِ جُبَّةٌ وَعَلَيْهِ خَلُوقٌ أَوْ قَالَ‏:‏ أَثَرُ الصُّفْرَةِ فَذَكَرَ الْخَبَرَ وَفِيهِ‏:‏ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اغْسِلْ عَنْكَ أَثَرَ الصُّفْرَةِ‏,‏ أَوْ قَالَ‏:‏ أَثَرَ الْخَلُوقِ‏,‏ وَاخْلَعْ عَنْكَ جُبَّتَكَ وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا أَنْتَ صَانِعٌ فِي حَجِّكَ‏.‏

فَاتَّفَقَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ‏,‏ وَهَمَّامُ بْنُ يَحْيَى‏,‏ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ كُلُّهُمْ عَنْ عَطَاءٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ نَفْسِهَا عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ مُتَضَمِّخًا بِخَلُوقٍ‏.‏

وَهُوَ الصُّفْرَةُ نَفْسُهَا‏,‏ وَهُوَ الزَّعْفَرَانُ بِلاَ خِلاَفٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَى الرِّجَالِ عَامَّةً فِي كُلِّ حَالٍ‏,‏ وَعَلَى الْمُحْرِمِ أَيْضًا بِخِلاَفِ سَائِرِ الطِّيبِ كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حدثنا شُعْبَةُ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُول‏:‏ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ قَالَ‏:‏ فَقُلْتُ‏:‏ لِلْمُحْرِمِ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏

فَبَطَلَ تَشْغِيبُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً لأَِنَّهُ إنَّمَا فِيهِ نَهْيٌ عَنْ الصُّفْرَةِ لاَ عَنْ سَائِرِ الطِّيبِ‏,‏ وَلأَِنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ الطِّيبِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِيهِ لَكَانَ مَنْسُوخًا بِآخِرِ فِعْلِهِ عليه السلام فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ وَجَدْنَا الْمُحْرِمَ مَنْهِيًّا عَنْ ابْتِدَاءِ التَّطَيُّبِ‏,‏ وَعَنْ ابْتِدَاءِ الصَّيْدِ‏,‏ ثُمَّ وَجَدْنَاهُ لَوْ أَحْرَمَ وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ لَوَجَبَ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ فَكَذَلِكَ الطِّيبُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ فَاسِدٌ‏,‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مِنْ الْقِيَاسِ بَاطِلاً لأَِنَّهُ لاَ يَلْزَمُ مَنْ أَحْرَمَ وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ قَدْ تَصَيَّدَهُ فِي إحْلاَلِهِ أَنْ يُطْلِقَهُ فَهُوَ تَشْبِيهٌ لِلْخَطَإِ بِالْخَطَإِ‏.‏

وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ‏:‏ إنَّ مَنْ أَحْرَمَ وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ وَفِي قَفَصِهِ فِي مَنْزِلِهِ صَيْدٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إطْلاَقُ الَّذِي فِي يَدِهِ، وَلاَ يَلْزَمُهُ إطْلاَقُ الَّذِي فِي الْقَفَصِ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏,‏ وَقَاسَهُ أَيْضًا عَلَى مَنْ أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ‏,‏ وَسَرَاوِيلُ‏,‏ وَعِمَامَةٌ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَيُعَارِضُ قِيَاسَهُمْ هَذَا بِأَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ‏;‏ فَإِنْ تَزَوَّجَ ثُمَّ أَحْرَمَ يَبْطُلُ نِكَاحُهُ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ لاَ نُوَافِقُ عَلَى هَذَا‏.‏

قلنا‏:‏ إنَّمَا خَاطَبَنَا بِهَذَا مَنْ يَقُولُ بِهِ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ‏,‏ وأما أَنْتُمْ فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ‏:‏ إنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ ابْتِدَاءِ ذَبْحِ الصَّيْدِ وَأَكْلِهِ‏,‏ وَلاَ تَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ ذَبَحَ صَيْدًا ثُمَّ أَحْرَمَ فَإِنَّ مِلْكَهُ وَأَكْلَهُ لَهُ حَلاَلٌ‏.‏